انتهت ورشة “المنامة” ولن تنتهي تأثيراتها على الشّعب الفلسطينيّ وقضيّته العادلة، وكذلك على شعوب عربيّة طال سباتها، واستمرأها من فرضتهم أمريكا حكّاما عليها، وإذا كانت الشّعوب باقية، فإنّ من باعوا ضمائرهم وشعوبهم وأوطانهم ودينهم مقابل الجلوس على كرسيّ نخره السّوس، سيدخلون مزابل التّاريخ لتلاحقهم اللعنات إلى قرون عديدة قادمة.
وورشة البحرين هي أشبه ما تكون بالحمل الكاذب، رغم ما رافقها من أحداث تطبيعيّة، تؤكّد من جديد أنّ العربان قد طبّقوا المبادرة العربيّة التي طرحها عبدالله بن عبد العزيز عام 2002، تماما مثلما قبل بها نتنياهو رئيس الحكومة الاسرائيليّة وذلك بقبول البند الأخير في المبادرة، والذي يدعو الدّول العربية والإسلامية إلى إقامة علاقات سياسية وتجارية طبيعية مع اسرائيل.
ولمن شدّوا الأحزمة إلى البحرين، وضحكوا على أنفسهم بأنّ الورشة “اقتصاديّة” كي يزدهر الشّرق الأوسط، وأنّ الحلّ السّياسي سيتبع ذلك لاحقا، فبالتّأكيد أنّهم ليسوا غافلين أنّ الحلّ قد سبق ورشة البحرين، من خلال اعتراف الإدارة الأمريكيّة في 6 ديسمبر 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل، واعترفت بالجولان السّورية أنّها جزء من اسرائيل، كما أطلقت يد اسرائيل في التغوّل الاستيطاني في الأراضي العربيّة المحتلة، وتضغط على السلطة الفلسطينيّة والأردن ماليّا، وتعمل على تصفية قضيّة اللاجئين، وغيره.
واللافت أنّ فلسطين التّاريخيّة والتي تشكّل قلب الوطن العربيّ، قد تمّ استكمال بيعها في البحرين التي لا تزيد مساحتها عن مساحة قرية زراعية في فلسطين، دون أن ينتبه العربان، أو انتبهوا وغضّوا النّظر أنّ نتنياهو وحكومته وتابعه ترامب وإدارته الذين ينتظرون عودة “المشيح المنتظر” ليقيم مملكة اسرائيل، تمهيدا ليوم القيامة الذي سيكون قريبا، فإنّهم لا يملكون حلّا غير الحلّ الاقتصادي الذي يضع مقدّرات الشّرق الأوسط في يد اسرائيل، في حين يكون ” الأغيار” غير اليهود حطابين وسقائين –حسب التّعبير التواراتي- أي عبيد العصر. وربّما من استمرأ احتساء بول البعير ويتطهّر به، سيستمرئ حياة العبوديّة المعاصرة، وهذا نتيجة حتميّة لثقافة الصّحراء الوحشيّة. بينما لن تعطي اسرائيل للفلسطينيين سوى إدارة مدنية على السّكان دون الأرض التي ستبقى نهبا فلإستيطان.
لكنّ التّاريخ سيسجّل للمرّة الأولى أنّ عربان البترول قد باعوا فلسطين وشعبها بثمن بخس ودفعوا ثمن الصّفقة، تماما مثلما يدفعون ويموّلون القواعد الأمريكيّة على أراضيهم، ولن تتوقّف الأمور عند ذلك بل ستتعدّاها إلى دفع تعويضات “للشقيقة والجارة والحليفة اسرائيل” عن خسائرها في حروبها السّابقة.
وبما أنّ قوى الطّغيان لا تتعلّم من التّاريخ ومن عظاته، تماما مثلما يفعل الحكّام المأجورون أيضا، فإنّهم سيعلمون لاحقا أنّهم يشعلون نار صراع سيحرق الجميع، وأنّ عروشا ما انحازت لشعوبها وأوطانها ستتهاوى، وأنّه إذا كان للباطل جولة فللحق جولات. وهذا يتطلّب من القيادات الفلسطينية العمل السّريع لإنهاء الانقسام، وتوحيد صفوف الشّعب لمجابهة القادم الأسوأ.
27-6-2019