من يتابع خطابات أو كتابات “المتأسلمين الجدد” ومن يهتفون لهم ممّن تمّت تعبئتهم جيّدا دون أن تتاح لهم فرصة استعمال العقل، أو العودة إلى النّصوص القرآنيّة والسّنّة الصّحيحة واستنباط ما فيها، سواء كان ذلك عن جهل منهم، أو لثقتهم العمياء بمّن يلقّنونهم، سيجد نفسه أمام خيارات صعبة، ولذلك أسبابه الكثيرة التي تنطوي في غالبيّتها تحت عباءة الجهل، فعلى سبيل المثال لا الحصر إذا ما حاول بعض المتنوّرين الدّفاع عن الدّين الحنيف بوعي بعيد عن الخرافة والتّضليل، نجد من يهاجمه ويتّهمه بالكفر والالحاد، وكأنّ القوم يعلمون ما في الصّدور، والسّبب أنّهم ارتضوا سياسة القطيع، ومن يخرج عن قطيعهم فإنّهم يتّهمونه بالرّدة والكفر، ومثال على ذلك المفكر الاسلامي عثمان صالحية صاحب كتاب الدّراية الذي صدر قبل سنوات قليلة، وابتدأه بقوله:”ما يتعارض مع القرآن والسّنّة الصّحيحة فهو باطل”.
وبدأ يدحض الاسرائيليّات والخرافات الموجودة في بعض الكتب الاسلاميّة.
ومثال آخر هو الموقف من مسيحيّي الشّرق تحديدا، وهم مواطنون أصيلون وأصليّون، وتوارثوا المسيحيّة عن آبائهم وأجدادهم معتنقي هذه الدّيانة قبل الرّسالة السّماوية المحمّدية-الاسلام-، وهم حريصون على العروبة وعلى الوطن، وثقافتهم في غالبيّتها ثقافة اسلاميّة عربيّة، كونها ثقافة شعبهم وأمّتهم، وهو يتحمّلون السّراء والضّراء مع شعوبهم وأمّتهم، واذا ما أوضح مسلم ذلك دفاعا عن دينه الاسلاميّ، وعن شعبه ووطنه، ودرءا للفتن الطائفيّة التي يحاول الأعداء تغذيتها، فإنّنا نجد من يتطوّع مهاجما ومكفّرا ومذكّرا بالحروب الصّليبيّة والحملات الاستعماريّة، ولا يكلف نفسه مثلا أن يقرأ التّاريخ الذي كتبه المؤرّخون المسلمون، وهو أنّ مسيحيّي الشّرق تصدّوا لغزو الفرنجة مع اخوانهم المسلمين، وكانت البداية من انطاكية، وأنّ مسلمي القرن الحادي عشر الميلادي أدركوا أبعاد تلك الغزوات الأوروبيّة، وسمّوها حروب الفرنجة، وأنّ تسميتها بالحروب الصّليبيّة كانت من أمراء وملوك أوروبا الطامعين في كنوز الشّرق لتعبئة فقراء الأوروبيّين واستغلالهم للمشاركة في تلك الحروب.
وفي الحروب مع الاستعمار والامبرياليّة الحديثة، فإنّ للمسيحيّين العرب دور في التّصدي لهذه الغزوات لا ينكره إلا كافر ، وقد سقط منهم ضحايا كثيرون، وتعرّض البعض ولا يزال للقتل والأسر والتّعذيب. فهل سمع “المتأسلمون الجدد” ومن لا يكلّفون أنفسهم معاناة متابعة الأحداث بأسماء مثل: جورج حبش، نايف حواتمة، طارق عزيز وبمن سبقوهم مثل جول جمّال وغيرهم كثيرون؟ وهل يعلمون أنّ مهندس اقتحام خط بارليف المنيع الذي اجتاحته ودمّرته جحافل الجيش المصري في حرب اكتوبر ١٩٧٣ هو قبطي مصريّ؟
ومع الأسف فقد استطاعت الامبرياليّة تجنيد “المتأسلمين الجدد” ليخوضوا حروبها معها، بعد الحرب العالميّة الأولى التي تمخّضت عن هدم الامبراطوريّة العثمانية، ووضعت المسلمين في مجابهة الاتّحاد السّوفييتي وحلفائه، واصفة المسلمين “بالسّور الواقي من خطر الشّيوعيّة”، وهكذا.
وحتّى نجد من يهاجمون من يدافع عن الاسلام من المستشرقين الذين درسوا الاسلام وتأثّروا به، فمثلا هناك مستشرقة ألمانية تدعى “انجليكا نويفرت” وصفت من يهاجمون الاسلام في العالم الغربي بدراسة طويلة” وممّا قالته:”كل من يقول أنّ الاسلام لا يواكب العصر، فهو ذو عقل محدود.”فوجدنا من يهاجمها كتابة لأسباب يصعب تفسيرها إلا بالجهل وعدم فهم المقروء.
وصلى الله وسلم على خاتم النّبيّين الذي امتدحه الخالق بقوله: وإنّك لعلى خلق عظيم.” وقوله:” وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.”
11-10-2016