لم يعد خافيا على ذي بصيرة أنّ أمريكا تفرض “حلّها” للقضيّة الفلسطينيّة على أرض الواقع حسب الأجندات الإسرائيليّة، وهذه هي “فصعة القرن” التي ينتظر البعض الإعلان عنها.
ولو عدنا قليلا إلى الوراء أي إلى خطيئة أوسلو فقد نصّت على تأجيل ثلاث قضايا هي”القدس، المستوطنات والحدود” إلى الحلّ النّهائيّ، وها هي الإدارة الأمريكيّة المتصهينة برئاسة ترامب تضع “الحلول النّهائيّة” وتطبّقها على الأرض من جانب واحد من خلال اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، أي أنّها “خارج طاولة المفاوضات” حسب تصريح سابق للرئيس الأمريكي ترامب، وكذلك الاعتراف بالسّيادة الإسرائيليّ على الجولان السّوريّة المحتلة، وإسراع نتنياهو ببناء مستوطنة تحمل اسم الرّئيس ترامب عليها. ويأتي أوّل أمس اعتراف أمريكا بشرعيّة المستوطنات في الأراضي المحتلة عام 1967، ويسارع نتنياهو بنيّته طرح ضمّ الأغوار لإسرائيل على البرلمان الإسرائيلي”الكنيست”، وهذا يعني أنّ حدود اسرائيل من البحر إلى النّهر، كما أنّ الاستيطان في القدس وبقيّة أجزاء الضّفّة الغربيّة المحتلة يسير بخطى متسارعة. فماذا بقي للتّفاوض عليه؟ وماذا بقي من حلّ الدّولتين؟ وأين ستقام الدّولة الفلسطينيّة العتيدة؟ وأين الحلّ النّهائي الذي نصّت عليه خطيئة أوسلو؟
وكلّ هذا يتمّ بمصاحبة تطبيع عربيّ للعلاقات مع اسرائيل كما تفعل دول بترول الخليج الذي كان عربيّا. وهذا يعني أنّ أنظمة الدّول الناطقة بالعربيّة على علم مسبق وموافقة تماما على السّياسة الأمريكيّة الإسرائيليّة المشتركة.
وهنا يجب أن لا يغيب عن أحد ما طرح في سنوات قريبة ماضية حول إقامة دولة فلسطينيّة في قطاع غزّة تمتد إلى صحراء سيناء المصريّة بمساحة اثني عشر ألف كيلو متر مربّعا. فهل تعي “إمارة حماس” التي تحكم قطاع غزة ذلك؟ وهل تفاهماتها مع اسرائيل بوساطة مصرية وقطرية بعيدة عن ذلك؟ وهل حقيبة السفير القطري الماليّة الشّهرية لحماس بريئة؟ وهل هجمات اسرائيل الأخيرة على حركة الجهاد الإسلامي وانفرادها بها عفويّة؟
وهل قانون “القوميّة” الإسرائيلي والذي ينصّ على أنّ اسرائيل دولة اليهود سيبقي في حالة تطبيقه على فلسطينيّين داخل حدود إسرائيل؟ وهل اسرائيل تعترف بالفلسطينيين داخل حدودها قبل عام 1967 كمواطنين كاملي الحقوق؟ وماذا يقصد نتنياهو في كتابه الصادر عام 1994 وترجم إلى العربيّة تحت عنوان “مكان تحت الشمس” عندما استشهد بمقولة معلّمه جابوتنسكي “لا يضير الدّيموقراطيّات وجود أقليّات قوميّة فيها”؟ وإلى دعاة الدولة الواحدة: هل ستقبل “اسرائيل الديموقراطيّة” التي تملك كلّ أسباب القوّة بوجود أكثريّة فلسطينيّة داخلها؟ وعندما كتب نتنياهو في كتابه آنف الذّكر ” أنّ العرب يرفضون كلّ شيء يعرض عليهم ثمّ لا يلبثون أن تكيّفوا معه” لم ينتبه كثيرون إلى ما كان يعنيه، لكنّ غالبيّة الأنظمة العربيّة أثبتت صحّة قوله، فهم مستسلمون خاضعون لكلّ طروحاته وطروحات حليفه وحلفائهم في البيت الأبيض، بل زادوا عليها بالتطبيع المعلن، بل وزادوا بالتّحالفات الأمنيّة والعسكريّة مع اسرائيل في ظل استمرارها في احتلال الأراضي العربيّة.
فهل تدرك حماس خطورة الوضع الحالي؟ وهل تتراجع عن اختطافها لقطاع غزّة؟ وهل إعادة الوحدة بين الضّفة والقطاع أمر صعب لدرجة تضييع الوطن في صراع على سلطة تحت الاحتلال؟
إنّ السّياسة الأمريكيّة في الشّرق الأوسط لا تستهدف فلسطين الوطن والشّعب فقط، بل تتعدّاها لدول وشعوب عربيّة منها الأردنّ، سوريّا، لبنان، مصر وحتى السّعودية والعراق. وخطرها سيتعدّى ذلك إلى دول وشعوب المنطقة برمّتها.
20-11-2019