بعد توقيع اتّفاقات أوسلو في 13 سبتمبر 1993 انهال على الأراضي الفلسطينيّة عشرات بل مئات من مراسلي الصّحافة العالميّة، للوقوف على رأي المواطنين على تلك الإتّفاقات، وفي حينه رافقت صحفيّا اسبانيّا مراسلا لإحدى محطّات التّلفزة في اسبانيا، فقال لي الرّجل:
أنا لا أريد مقابلة أيّ مسؤول فلسطينيّ، فقد سبقني إليهم صحفيّون آخرون، وأنا أريد مقابلة أناس عاديّين فقط، وفي تلك اللحظة دخلنا شارع صلاح الدّين في القدس، وأمام محطّة البريد رأينا قرويّا فلسطينيّا، رابطا طرفي قمبازه بحزامه، ويحمل بيديه سلّتي بلاستيك، مليئتين بالأغراض التي اشتراها لبيته، ويمسح العرق المتصبّب من وجهه، فأشار الصّحفيّ إليه وهو يقول لي:
دعنا نقابل هذا الرّجل.
أوقنا السّيّارة أمام البريد وأتّجهنا إلى الرّجل وفتاة من الطّاقم التّلفزيونيّ تلاحقنا بكاميرتها، وقفتُ أمام الرّجل وقلت له:
سلام عليك يا عمّ.
توقّف الرّجل وردّ الرّجل التّحيّة بمثلها، وهو يضع سلّتيه بجانبيه، ويمسح عرقه بطرف كوفيّته. فسألته:
هل سمعت باتّفاقات أوسلو يا حاج؟
فأجاب: نعم سمعت بها من الأخبار.
– طيّب شو رايك فيها يا حج؟
تصنّع الرّجل ابتسامة وقال:
والله يا عمّي بصفتي فلاح ما انا موافق عليها!
ليش؟
لأنّه الأرضيات هيك راحن يا عمّي!
قالها وهو يمدّ يديه إلى السّلّتين، فحملهما وواصل طريقه دون استئذان.
ولمّا ترجمت للصحفيّ الإسباني ما قاله الرّجل قال:
هذا الرّجل ببساطته وبراءته وعفويّته يعرف الحقيقة أكثر من كلّ السّياسيّين.
30-3-2019