تمرّ هذه الأيام الذكرى الخامسة والأربعون لحرب 5 حزيران 1967 العدوانية، ونتائجها الكارثية التي أوقعت ما تبقى من فلسطين تحت الاحتلال الاسرائيلي، إضافة إلى مرتفعات الجولان السورية، وصحراء سيناء المصرية، وإذا كانت الأنظمة العربية، ووسائل اعلامها قد اعتبرت نتائج الحرب نكسة كما سماها الصحفي والمفكر المصري الكبير محمد حسنين هيكل، فإن الواقع يؤكد يوما بعد يوم أنها كانت هزيمة ماحقة، لا يزال العرب عامة، والشعب الفلسطيني خاصة يعانون من نتائجها الكارثية حتى أيامنا هذه، وسيعانون في المستقبل أيضا، لأنهم لم يعملوا شيئا يستحق الذكر للنهوض من “كبوتهم” في حين أن اسرائيل التي انسحبت عام 1979 بناء على اتفاقات كامب ديفيد من صحراء سيناء المصرية لتبقى رهينة لديها، قد عملت ولا تزال تعمل الكثير جدا وبدعم أمريكي -لا محدود وفي كافة المجالات- لترسيخ احتلالها للضفة الغربية وجوهرتها القدس الشريف، ولمرتفعات الجولان السورية، وذلك من خلال تكثيف الاستيطان المتواصل يوميا، والذي يهدف الى خلق وقائع على الأرض، وايجاد خلل ديموغرافي واضح، يمنع الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس المحتلة، بعد كنس الاحتلال وكافة مخلفاته، بل إن السياسة الاسرائيلية تثبت يوميا عملها على تحقيق الحلم والمخطط الصهيوني الذي تتعدى أطماعه التوسعية حدود فلسطين التاريخية بكثير، فمنذ مؤتمر مدريد في اكتوبر 1991- الذي أجبرت إدارة جورج بوش الأب اسرائيل على حضوره لاسترضاء الدول العربية اللتي شاركت في حرب الخليج الأولى، لإخراج الجيش العراقي من الكويت، لم تعمل اسرائيل شيئا لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة، وحتى اتفاقات أوسلو مع منظمة التحرير في العام 1993 والتي تمخضت عن اقامة السلطة الفلسطينية، والتي اعتبرها الفلسطينيون وقيادتهم السياسية مقدمة لإنهاء الاحتلال واقامة الدولة المستقلة، فإن القادة الاسرائيليين هدفوا منها إنهاء دور منظمة التحرير وتفريغها من مضمونها النضالي، وإنهاء القضية الفلسطينية من خلال إدارة مدنية على السكان دون الأرض…وهذا ما يعملون على تكريسه، وحكومة نتنياهو التي تواصل الاستيطان يوميا، وترفض ايقافه ولو لمدة محدودة، تتنكر حتى لما توصلت اليه المفاوضات مع الحكومات الاسرائيلية السابقة، بما فيها حكومة ايهود أولمرت الليكودية، وتريد العودة للمفاوضات من نقطة الصفر مع استمرار الاستيطان، وما تصريحات بعضهم عن حلّ الدولتين إلّا من باب العلاقات العامة، لعدم استعداء الرأي العام العالمي، وحتى مبادرة السلام العربية التي طرحتها الحكومة السعودية على مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002، أفرغتها اسرائيل من مضمونها، ولم تقبل منها إلّا بندا واحدا هو(إقامة الدول العربية والاسلامية علاقات كاملة مع اسرائيل)أي أنها –أي اسرائيل- تريد اعترافا عربيا واسلاميا بها مع احتفاظها بالأراضي العربية المحتلة، وحتى تصريحات وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك الأخيرة بأن حكومته تدرس اتخاذ اجراءات من جانب واحد، هي من باب العلاقات العامة أيضا، تحمل في طياتها رسالة للعالم بأنه لا يوجد شريك فلسطيني للسلام، وذلك استباق للتحرك الدبلوماسي الفلسطيني والعربي بعد ردّ نتنياهو الذي لم يحمل جديدا على رسالة الرئيس محمود عباس، فباراك ورئيس وزرائه نتنياهو وحلفاؤهم من اليمين المتطرف لن ينسحبوا من 40% من أراضي الضفة الغربية كما يتوهّم البعض، فهم يعتبرون فلسطين التاريخية جزء من(أرض اسرائيل الكاملة) هذه الأرض التي تطلّ على الصحراء العربية-الجزيرة العربية- كما كتب نتنياهو في كتابه الذي ترجم الى العربية تحت عنوان(مكان تحت الشمس) الصادر في بداية تسعينات القرن الماضي. وهم يرون أن لا مكان إلّا لدولة واحدة بين النهر والبحر، وأن حلّ مشكلة الفلسطينيين تكمن في الأردن كوطن بديل، مع أن الأردن تربطه مع اسرائيل معاهدة سلام، الموقعة في العام 1994 في وادي عربة.الربيع العربي:والشعوب العربية التي طال سباتها لم تعد تحتمل مزيدا من الهزائم، فانطلقت بثوراتها الشعبية التي بدأت بتونس، وأسقطت نظام زين العابدين بن علي الطاغية، وأسقطت النظام الدكتاتوري في ليبيا بمساعدة حلف الأطلسي، وغيرت الرئيس علي عبدالله صالح في اليمن، وتشتعل نيرانها في سوريا رغم ما يحيط بها من تساؤلات كبيرة، -قد تستهدف سوريا الدولة والشعب قبل النظام- إلّا أن اللافت هو ثورة الشعب المصري، لما تمثله مصر من دولة اقليمية لها تأثيراتها في العالم العربي وفي افريقيا أيضا، وأسقطت نظام حسني مبارك-كنز أمريكا واسرائيل الاستراتيجي- وهذه الثورات الشعبية التي فاجأت الجميع أثارت الرعب في أمريكا واسرائيل، فلم تتركاها وشأنها، وتبذلان الجهود للالتفاف عليها، واحتوائها…ويبدو أنهما نجحتا في ذلك من خلال ترشح اللواء أحمد شفيق للرئاسة، وهو أحد أعمدة النظام السابق، وآخر رئيس وزراء في عهد مبارك، وفي عهده حصلت معركة الجمل التي فتكت بمعتصمي ميدان التحرير، وإذا ما فاز في انتخابات الجولة الثانية بالرئاسة فان فوزه سيشكل عودة للنظام السابق، ولكن بطريقة أكثر لبيرالية…ولو قدّر للثورات العربية أن تنجح لوجدت اسرائيل وحليفتها أمريكا نفسيهما في مأزق لن يخرجهما منه إلّا إجبار اسرائيل على الرضوخ لقرارات الشرعية الدولية، والانسحاب من الأراضي المحتلة، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس العربية، وايجاد حلّ عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين حسب قرارات الشرعية الدولية.وبالتأكيد فان قادة اسرائيل وأصدقاؤها في البيت الأبيض، يدركون تماما أنهم لن يستطيعوا تحقيق السلام والاحتفاظ بالأراضي العربية المحتلة، وأن استمرار سياسة الاحتلال والاستيطان بالقوة العسكرية لن تجلب إلّا المزيد من الحروب وسفك الماء، التي لن ينجو أحد منها، ولن تقتصر تأثيراتها على دول المنطقة، بل سستتخطاها لتشكل تهديدا للسلم العالمي.
1 حزيران 2012