تمرّ هذه الأيام الذكرى السابعة والأربعون لحرب 5 حزيران 1967 العدوانية، ونتائجها الكارثية التي أوقعت ما تبقى من فلسطين تحت الاحتلال الاسرائيلي، إضافة إلى مرتفعات الجولان السورية، وصحراء سيناء المصرية، وإذا كانت الأنظمة العربية، ووسائل اعلامها قد اعتبرت نتائج الحرب نكسة كما سماها الصحفي والمفكر المصري الكبير محمد حسنين هيكل، فإن الواقع يؤكد يوما بعد يوم أنها كانت هزيمة ماحقة، لا يزال العرب عامة، والشعب الفلسطيني خاصة يعانون من نتائجها الكارثية حتى أيامنا هذه، وسيعانون في المستقبل أيضا، لأنهم لم يعملوا شيئا يستحق الذكر للنهوض من “كبوتهم” في حين أن اسرائيل التي انسحبت عام 1979 بناء على اتفاقات كامب ديفيد من صحراء سيناء المصرية لتبقى رهينة لديها، قد عملت ولا تزال تعمل الكثير جدا وبدعم أمريكي -لا محدود وفي كافة المجالات- لترسيخ احتلالها للضفة الغربية وجوهرتها القدس الشريف، ولمرتفعات الجولان السورية، وذلك من خلال تكثيف الاستيطان المتواصل يوميا، والذي يهدف الى خلق وقائع على الأرض، وايجاد خلل ديموغرافي واضح، يمنع الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس المحتلة، بعد كنس الاحتلال وكافة مخلفاته، بل إن السياسة الاسرائيلية تثبت يوميا عملها على تحقيق الحلم والمخطط الصهيوني الذي تتعدى أطماعه التوسعية حدود فلسطين التاريخية بكثير، فمنذ مؤتمر مدريد في اكتوبر 1991- الذي أجبرت إدارة جورج بوش الأب اسرائيل على حضوره لاسترضاء الدول العربية اللتي شاركت في حرب الخليج الأولى، لإخراج الجيش العراقي من الكويت، لم تعمل اسرائيل شيئا لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة، وحتى اتفاقات أوسلو مع منظمة التحرير في العام 1993 والتي تمخضت عن اقامة السلطة الفلسطينية، والتي اعتبرها الفلسطينيون وقيادتهم السياسية مقدمة لإنهاء الاحتلال واقامة الدولة المستقلة، فإن القادة الاسرائيليين هدفوا منها إنهاء دور منظمة التحرير وتفريغها من مضمونها النضالي، وإنهاء القضية الفلسطينية من خلال إدارة مدنية على السكان دون الأرض…وهذا ما يعملون على تكريسه، وحكومة نتنياهو التي تواصل الاستيطان يوميا، وترفض ايقافه ولو لمدة محدودة، تتنكر حتى لما توصلت اليه المفاوضات مع الحكومات الاسرائيلية السابقة، بما فيها حكومة ايهود أولمرت الليكودية، وتريد العودة للمفاوضات من نقطة الصفر مع استمرار الاستيطان، وما تصريحات بعضهم عن حلّ الدولتين إلّا من باب العلاقات العامة، لعدم استعداء الرأي العام العالمي، وحتى مبادرة السلام العربية التي طرحتها الحكومة السعودية على مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002، أفرغتها اسرائيل من مضمونها، ولم تقبل منها إلّا بندا واحدا هو(إقامة الدول العربية والاسلامية علاقات كاملة مع اسرائيل)أي أنها –أي اسرائيل- تريد اعترافا عربيا واسلاميا بها مع احتفاظها بالأراضي العربية المحتلة، فهم يعتبرون فلسطين التاريخية جزءا من(أرض اسرائيل الكاملة) هذه الأرض التي تطلّ على الصحراء العربية-الجزيرة العربية- كما كتب نتنياهو في كتابه الذي ترجم الى العربية تحت عنوان(مكان تحت الشمس) الصادر في بداية تسعينات القرن الماضي. وهم يرون أن لا مكان إلّا لدولة واحدة بين النهر والبحر، وأن حلّ مشكلة الفلسطينيين تكمن في الأردن كوطن بديل، مع أن الأردن تربطه مع اسرائيل معاهدة سلام، الموقعة في العام 1994 في وادي عربة، والمستشار القانوني السابق للحكومة الاسرائيلية كان اكثر وضوحا عندما”أفتى” قبل أيام بأن الضفة الغربية وجوهرتها القدس ليست أراضي محتلة، وبالتالي فان الاستيطان فيها لا يخالف القانون الدولي.
المسجد الأقصى: وتمر ذكرى نكبة حزيران هذا العام والتقسيم الزمني للمسجد الأقصى يتم على أرض الواقع، حيث أن المتطرفين اليهود يقومون باقتحامه ويدنسونه يوميا، تحت حماية قوى الأمن الاسرائيلية، وبمباركة ودعم من الحكومة الاسرائيلية، مما يعني أن الخطوة القادمة ستكون التقسيم المكاني لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، يشجعهم في ذلك ردود الفعل العربية الرسمية الخجولة.
المصالحة الفلسطينية والربيع العربي: وتمر ذكرى هزيمة حزيران هذا العام وقد تحققت المصالحة الفلسطينية بعد انقسام استمرّ سبع سنوات -مع أنه ما كان يجب أن يكون أصلا- وسيقى صفحة سوداء في تاريخ شعبنا، وواضح أنه لولا الثورة المصرية التي أوصلت الرئيس السيسي الى الحكم، وضغوطه على حركة حماس ومحاصرتها من خلال اغلاق الأنفاق لما تحققت هذه المصالحة، ونأمل أن يتمكن الرئيس السيسي من اعادة بناء مصر، وإعادة مصر لتتبوّأ دورها القيادي في المنطقة وفي افريقيا وآسيا، وتأثيرها على السياسة العالمية، وبالتالي فان ذلك سينعكس على مجمل الوضع العربي لما تمثله مصر من ثقل على مختلف المستويات.
كما نؤكد أن المصالحة الفلسطينية، ووحدة الشعب الفلسطيني التي يجب الحفاظ عليها في كل الظروف، ستكون رافعة رئيسة في طريق النضال الفلسطيني للخلاص من الاحتلال ومخلفاته كافة، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف.
لكن اللافت في الربيع العربي أنه قد ضلّ الطريق الصحيح في أكثر من بلد عربي، فالمتأسلمون الذين رفعوا شعار الجهاد ضلّوا طريق القدس، واتجهوا الى الشام ليعيثوا فيها قتلا وتدميرا وتخريبا، وهم يعيثون تخريبا وقتلا وتدميرا في ليبيا، وفي مصر وفي اليمن وفي غيرها، ومن الأمور التي لم تعد عجيبة هو اعتقادهم “بأن الله قد سخر لهم “الناتو” لنصرتهم، مستغلين جهل بعض الشباب المسلم والجاهل بأمور دينه ودنياه، دون أن يعلموا أنهم أداة بأيدي القوى المعادية التي تسعى الى إعادة تقسيم المنطقة الى دويلات طائفية متناحرة، تنفيذا لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي طرحته ادارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش.
4 حزيران 2014