من يتابع العدوان الاسرائيليّ الجديد على قطاع غزّة، والذي بدأ بتسلّل وحدة عسكريّة إسرائيليّة إلى جنوب القطاع المحاصر لاختطاف أحد القادة العسكريّين، في محاولة إسرائيليّة للحصول على معلومات حول الأسرى الإسرائيليّين، ورغم فشل الغزوة الإسرائيلية في تحقيق أهدافها بسبب يقظة المقاومة التي تصدّت لها، وأجبرتها على الانسحاب وهي تحمل جثّة قائدها مع جريح آخر، إلا أنّ توقيت هذه العمليّة، وطبيعة ومحدوديّة الاشتباكات التي أعقبتها تثير تساؤلات عديدة، وقد جاء العدوان الإسرائيليّ بعد يوم من إدخال السّفير القطريّ مبلغ خمسة عشر مليون دولار في حقائب إلى قطاع غزّة وبمعرفة الحكومة الإسرائيليّة وموافقتها. وجاءت بعد تفاهمات سرّية إسرائيليّة حمساويّة على التّهدئة بوساطة مصريّة وقطريّة. واطّلاع وموافقة ومباركة أنظمة عربيّة بتوجيه من الإدارة الأمريكيّة، تمهيدا لإعلان ما يسمّى “صفقة القرن”، ولفصل قطاع غزّة نهائيّا عن الضّفّة الغربيّة وجوهرتها القدس بشكل نهائيّ، وبالتّالي الإعلان عن دولة فلسطينيّة في قطاع غزّة، تمتدّ إلى اثني عشر ألف كيلومتر مربع في صحراء سيناء المصريّة، وهذا يلبّي المشروع الصّهيونيّ القديم الجديد، والذي أعلن عنه دون تطبيل إعلامي عام 1972.
ومن تابع العمليّات العسكريّة في هذا العدوان، لا يحتاج إلى كثير من الذّكاء لاكتشاف أنّ العمليّات العسكريّة كانت محدودة ومنتقاة من الطّرفين، وأنّ الطّيران الإسرائيلي الذي يغطّي سماء قطاع غزّة قد استهدف أهدافا مدنيّة خالية من المواطنين أكثر من استهدافه لأهداف عسكريّة، في حين أطلقت المقاومة صواريخها بشكل عشوائيّ بعيدا عن الأهداف العسكريّة التي تحكم الحصار على قطاع غزّة. ولهذا كانت الخسائر قليلة بين الطّرفين.
ويبدو أنّ العمليّة العسكريّة الإسرائيليّة قد جرت دون علم نتنياهو، لهذا فإنّه قطع زيارته لفرنسا، وعاد ليلجم صقور حكومته الإتلافيّة اليمينيّة، خصوصا وزير الحرب ليبرمان والقادة العسكريّين؛ في محاولة منه للحدّ من تحويل ما جرى إلى حرب شاملة على قطاع غزّة، وهذا ليس عقلانيّة من نتنياهو بمقدار ما هو حرص منه على تنفيذ “التّفاهمات” السّرّيّة مع حركة حماس، والتي ترعاها أطراف عربيّة بإيعاز من أمريكا وبمباركتها.
وبما أنّه لا نوايا حسنة في السّياسة، إلا أنّ الفصل النّهائيّ لقطاع غزة عن الضّفّة الغربيّة، وإقامة دولة في القطاع، سيكون تنفيذا لحلّ الدّولتين، الذي يوجد عليه اجماع دوليّ، وستجنّد أمريكا “كنوزها الاستراتيجيّة” في المنطقة العربيّة والعالم للاعتراف بهذه الدّولة التي سيترسّخ بعدها اعتراف الإدارة الأمريكيّة بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولتبقى بقيّة أراضي الضّفّة الغربيّة نهبا للاستيطان، مع اعطاء مواطنيها حسب المصطلح الإسرائيليّ ” أكثر من إدارة مدنيّة وأقلّ من دولة” طبعا على السّكان وليس على الأرض.
ومع صلواتي بأن يكون هذا التّحليل خاطئا، فإنّني أدعو إلى التّذكير بحرب أكتوبر 1973، التي كان الرئيس المصريّ الأسبق أنور السّادات يبغي منها تحريك “حالة “اللاسلم واللاحرب” تمهيدا لزيارته لإسرائيل، وما تبعها بما عرف باتّفاقات كامب ديفيد.
ومع كلّ ذلك فإن كانت النّوايا سليمة، فعلى حماس الإسراع في قبول المصالحة الفلسطينيّة، وتسليم القطاع للسّلطة الفلسطينيّة، لأنّه حبل النّجاة الوحيد في مواجهة ما يسمّى “صفقة القرن” التي تستهدف الحقوق الفلسطينيّة.
14-11-2018