مساء هذا اليوم الخميس 18 حزيران 2015 هذه هي ليلتنا الأخيرة في هيوستن، حيث سنغادرها إلى شيكاغو، ابن العمّ محمّد موسى السّلحوت وزوجته الانسانة الرّائعة جويس، عملا حفل عشاء وداعيّا على شرفنا أنا وزوجتي، دعا إليه عددا من أصدقائه المقرّبين وهم: الدّكتور جورج الحاجّ من حيفا وزوجته الألمانيّة،” الدّكتور ميشيل كردوش من النّاصرة وزوجته المصرية هدى، رجل الأعمال عماد صقر وشقيقه الدكتور رزق صقر ريس جمعيّة الأطبّاء العرب الأمريكيين، وهما فلسطينيّان لاجئان ولدا في مخيّم عقبة جبر قرب مدينة أريحا.
تسامرنا وإيّاهم أكثر من ثلاث ساعات…ضحكنا…تناقشنا وتبادلنا الرّأي حول تطوّرات القضيّة الفلسطينيّة، وما يجري في العالم العربيّ من خراب ودمار…ورغم بعدهم عن أرض الوطن وسنوات الغربة الطّويلة التي عاشوها في الغربة، فالدّكتور جورج الحاجّ غادر الوطن عام 1952 إلّا أنّهم يحملون هموم وطنهم وشعبهم وأمّتهم…ويعبّرون عن حزنهم بسبب الانشقاق على السّاحتين الفلسطينيّة والعربيّة.
ودّعنا جويس زوجة ابن العمّ التي احتضنتنا بعاطفة أخويّة صادقة، فمن يعرف هذه المرأة لا يتمنّى فراقها لرقّتها وطيبتها وصدق تعاملها…وهي لا تتصنّع ذلك بل هي مفطورة عليه… يظهر ذلك على تعابير وجهها السّموح…حمّلتنا تحيّاتها لابننا قيس وزوجته وطفلته الأمّورة لينا، ولأشقائنا في شيكاغو، ولجميع أفراد العائلة في الوطن الذّبيح.
صباح اليوم التّالي أوصلنا ابن العمّ إلى مطار هيوستن…شكرناه بعمق على حسن الضّيافة والكياسة الّتي يتحلّى بها، والحفاوة البالغة التي أحاطنا بها. وهذا ليس غريبا عليه، حقّا إن الكلمات تعجز عن شكره هو وزوجته.
كان الفراق صعبا علينا…لكنّها ضرورات الحياة التي شتّتنا، وابن العمّ هذا الذي غادرنا شابا يافعا في بداية العام الدّراسي عام 1962 للعمل كمدرّس في السعودية…كنت وقتها طفلا لا أتجاوز الثانية عشرة من عمري…التقيته في هيوستن عام 1984، كان لا يزال في بداية حياته العمليّة، والتقيته في لاس فيجاس عام 1999، والتقيته في سنتافييه في نيو مكسيكو ثلاث مرّات منذ العام 2006، واحدة كان بصحبتي شقيقي الغالي داود، وابن العمّ محمّد اسماعيل السلحوت، وواحدة كان بصحبتي ابني الحبيب قيس، وابنتي الحبيبة لمى، وها نحن نلتقي في صيف هذا العام وقد احتلّ الشّيب شعرنا…وابن العمّ قد حقّق طموحاته بجدّ واجتهاد…ولا يزال بكامل قوّته وعنفوانه ووسامته المعهودة…وكلما التقيته أكتشف فيه صفات حميدة جديدة…فأمنياتنا له ولزوجته بالصّحّة والسّعادة وطول العمر…وقد لاحظت أنّ ابن العمّ المشهود له بالذّكاء محبوب وسط الجالية العربيّة، بل هو واحد من رموزها…تماما مثلما هو محبوب من معارفه الأمريكان وهم في غالبيّتهم من النّخبة العلمية والاقتصاديّة…لكن الحبّ الأكبر له هو ما تختزنه قلوب عائلته في الوطن.