السياق لخالد جمعة
في ندوة اليوم السابع
القدس : 8/4/2005
ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني ” السياق ” وهو نص ادبي صدر عام 2001 عن دائرة التربية والتعليم في وكالة الغوث ” الانروا” ضمن ” مشروع تعليم حقوق الإنسان، التسامح، وحل النزاعات للكاتب خالد جمعة ، رسومات وإخراج ماهر فارس ، ويقع هذا النص في 23 صفحة من الحجم المتوسط.
جميل السلحوت قال :
واضح من هذا النص كما هو واضح من سلسلة النصوص الأخرى التي صدرت معه أن الكاتب وقع تحت تأثير متطلبات الناشر ، وواضح أن الناشر وهو إحدى مؤسسات الأمم المتحدة التي أعلنت جمعيتها العامة العام 2001 سنة للحوار بين الحضارات ، وما تبع ذلك من ندوات بهذا الخصوص شاركت فيها وفود من مجموعة دول، وعقدت في تونس ودمشق وطهران والرباط وغيرها من دول المنطقة لخدمة هذا الموضوع، ويبدو واضحا أن الكاتب خالد جمعة صاحب هذا النص ،كان مدركا تماما لهذا الأمر، ولكي يمسك العصا من منتصفها، فانه كتب هذا النص وسماه “السياق” وكأني به يطلب من القارئ أن لا يحمل نصه اكثر مما ورد فيه، أو جاء في سياقه، والسياق حمل خلافا أو سوء فهم بين طفلين في المدرسة، وسوء الفهم هذا جاء لأنهما لم يتحاورا، فكان كل واحد منهما يعني شيئا ، وفهمه الآخر بطريقة مغايرة، ولو انهما استعملا الحوار في الحديث فيما بينهما لما وقع سوء الفهم.
والحوار كما هو معروف ” يهدف إلى إفساح المجال أمام البشر للتعرف والتعارف كمقدمة للفهم والتفاهم المتبادل”.
ويجب الانتباه إلى أن الحوار لا يعني ” التطبيع ” بأي شكل من الأشكال، فالتطبيع يعني إقامة علاقات طبيعية بين الأفراد والجماعات أو الشعوب الطبيعية نتيجة لخلاف قد يكون بسيطا، أو يكون داميا كالحروب، وتطبيع العلاقات بين المتحاربين لا يمكن أن يعيد العلاقات الطبيعية فيما بينهم ، إلا بإعادة الحقوق لأصحابها وإدانة المعتدي، ودفعه ثمن عدوانه.
وهذه قضية يطول الحديث فيها، لذا فان الحديث مثلا عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية أمر مستحيل ما دامت إسرائيل تواصل احتلالها للأراضي العربية، وتتنكر للحقوق الطبيعية للشعب الفلسطيني .
ويرى بعض الباحثين- ولكل منهم منطلقاته الأيديولوجية- أن جزءا كبيرا من أسباب العداء بين العرب والإسرائيليين بشكل عام، والفلسطينيين والإسرائيليين بشكل خاص، ناتج عن أسباب نفسية لعدم معرفة أي طرف لحقيقة الطرف الثاني، ومع أن هذا الفهم فيه تكريس لطبيعة الصراع، وتبرئة للعدوان وما نتج عنه، لكنهم مع كل هذا الطرح يرون أن الحوار هو الطريق الوحيد للخروج من أزمة ” العداء ” المستفحل، وقد يكون في هذا شيء من الفهم الصحيح ، واستذكر هنا مثلا أن الشاعر سميح القاسم قد تحاور في بث مباشر مع أحد نشطاء حركة ” كاخ” الاستيطانية في إذاعة إسرائيل العبرية، وقد كانت نتائج هذا الحوار وردود الأفعال عليه إيجابية ولصالح طروحات الشاعر سميح القاسم.
وهناك الحوار بين اتباع الديانات والحديث فيه يطول أيضا.
وعودة إلى ” السياق ” الذي كتبه كاتبنا خالد جمعة، والذي وزع بعشرات آلاف النسخ على أطفالنا في مدارس الوكالة في الضفة الغربية وقطاع غزه، فإنني أرى أن تنمية الحوار بين طلبة المدارس يشكل حافزا تربويا وتثقيفيا لهم من اجل الابتعاد عن العنف بينهم داخل المدرسة، أو خارجها، وارى أن تحميله اكثر مما يحتمل وإعطاءه بعدا سياسيا هو خروج عن السياق.
هالة البكري قالت :
كلمة السياق في المعجم الوسيط تعني المهر، وسياق الكلام تتابعه وأسلوبه الذي يجري عليه.
وقد جاء الكاتب خالد جمعة بكلمة ( السياق) وبنى عليها نصه المكتوب في هذا الكتاب ليلفت انتباه الطفل القارئ إلى أهمية الحوار، وحل الخلافات التي قد تنشأ عن التعصب الفكري والفردي، وعدم سماع الآخر وفهمه “للإنسان فم واحد وأذنان اثنتان ليسمع اكثر مما يتكلم “ص 22 كان بإمكان الكاتب أن يجد عنوانا انسب لما كتب، يتناسب والفكرة المطروحة والمطلوبة. لفت انتباهي في بداية الكتاب ص 2 حين يقول الكاتب “لو أن سامياً سمع كلمة سياق مرة واحدة كما تمر عشرات الكلمات التي لا يعرف معناها ولا يسأل عنها ، وكأن الكاتب يدعو الأطفال إلى عدم السؤال عن كلمات يسمعونها ولو لمرة واحدة ولا يفهمون معناها ” مع أن من طبيعة الأطفال السؤال عن كل ما يسمعونه ويحسونه ويشاهدونه ” وفي ص 7 حينما ظل ينتظر أمه الصحفية ليسألها عن معنى كلمة السياق متلهفا لسماع الإجابة، فما كان منها إلا أن قالت له ” ألم يكن من الأفضل أن تختار سياقا انسب، والسياق لا يأتي بمعنى الوقت، ولم أجد تفسيرات الأم لكلمة السياق مناسبة .
كنت أتمنى على كاتب هذا النص لو جعل سامي يبحث بنفسه عن الكلمة، عن طريق الكتب أو المراجع، والحقيقة إنني شعرت بالضياع أثناء القراءة وبالتناقض، لأنني لم اعرف لأي فئة عمريه موجه هذا الكتاب.
من ناحية الطفل سامي الذي ينتظر إجابة وتفسيرا وهو بذات الوقت يشاهد برنامج الرسوم المتحركة.
بثنية عطية شقيرات قالت:
السياق قصة خارج سياق ” أدب الأطفال ”
أود بداية طرح الموضوع أن أتطرق بعجالة للصفات التي يجب أن تتوفر في كاتب أدب الأطفال حسب الدكتور عمر الأسعد في كتابه أدب الأطفال الصادر في 2003 ، الطبعة الأولى
1. أن يكون كاتب الأطفال ملما بمراحل تطور الطفل ونموه.
2. أن يكون ملما بالحاجات النفسية واللغوية في كل مرحلة من مراحل الطفولة حتى يكون قادرا على تلبية تلك الحاجات، واعطاء كل مرحلة حقها من جميع جوانبها، بالإضافة إلى معرفته بنفسية الطفل، إذا فالتفوق الأدبي لا يوجد أديبا مؤهلا من أدباء الأطفال ولكن يجب أن يقترن ذلك التفوق بتفهم لعقلية الطفل، والتعرف على مستواه العلمي والنفسي والاجتماعي .
فالأديب الناجح يتقمص شخصية الطفل ويتكلم بلغته ويخاطبه على قدر فهمه واستيعابه، وبذلك فليس كل أديب متفوق قادرا على أن يغدو كاتبا ناجحا لادب الطفل – والرأي لنفس الكاتب – وكم من الأدباء والشعراء حاولوا ذلك فأخفقوا ،لانهم لم يستطيعوا التفكير بعقلية الطفل والتحدث بلغته .
يقول الدكتور اسعد أبو الرضا في كتابه النص الأدبي للأطفال ( أهدافه ، مصادره، سماته ) :” إن من ابرز السمات التي يجب أن تتسم بها قصة الأطفال أن تكون ذات فكرة محددة وموضوع بسيط، وتكون سريعة التتابع، وتكون في مستوى خبرات الطفل وتجاربه ” . ولو قارنا هذا الرأي المتخصص مع ما نجده بين أيدينا من نص لوجدنا أن البون شاسع ، فقصة السياق تعالج ظاهريا مشكلة فهم مصطلح لغوي مجرد ” السياق ” والذي لا يملك الطفل في مرحلة الطفولة الوسطى أو حتى المتأخرة إلى حد ما تصورا محسوسا له . فعندما أقول مثلا كلمة باب يتبادر إلى ذهنه شكل الباب المألوف، وعندما أقول حمامة فهو يتخيل طائر الحمام الأبيض الجميل الذي هو رمز للسلام من خلال خبرته عن هذا الطائر ، ولكن عندما يرد مصطلح مثل السياق نجد أن ذهن الطفل في هذه المرحلة لا يتسع له ، أو بتعبير آخر لا يجد في قاموسه التصوري أو الخيالي تجسيدا له، وهنا نقع في مشكلة شرح المصطلح وتقريبه لذهن الطالب، أو عفواً الطفل بأمثلة شتى متشعبة تتراوح بين المحسوس وشبه المحسوس حتى نصل إلى تجريد ذلك إذا فكاتبنا حسب رؤيتي الشخصية ابتعد عن الفكرة المركزية وهي الحوار ، وراح يراوح مكان حاثا البطل لفهم المصطلح المجرد على حساب طرح فكرته الخاصة عن موضوع الحوار .
إذا هنا نجد أن الكاتب لو احسن اختيار المصطلح وقربه من ذهن الطلاب في هذه المرحلة لكانت القصة اقرب للفهم، وابتعدت عن الفلسفة بالرغم من أنها لم تخل من عنصر البحث والمعرفة والسؤال، والحث على السؤال الذي هو سمة من سمات الأطفال في هذه المرحلة .
الشخصيات :
الشخصية المركزية في القصة هي الطفل سامي الذي حاول أن يظهره الكاتب بصورة الطفل الباحث الذكي إلا انه وقع في خطأ عندما قال في ص(2) ” : لو أن ساميا سمع الكلمة مرة واحدة لربما مرت كما تمر عشرات الكلمات التي لا يعرف معناها والسؤال عنها ” ، إذا هو لا يسأل، ولكن الكلمة تكررت عشرات المرات اليوم لذلك فهو يسأل عنها .
من خلال السرد القصصي للنص ومن خلال الرسومات ظهر الطفل سامي بصورة طفل وحيد يجلس في المنزل، دون الإشارة خلال النص أو الرسومات إلى وجود أفراد آخرين غير والدته التي تعود في ساعة متأخرة، فنراه يجلس على وجبة الإفطار وحده، ونراه يشاهد التلفاز وحده، وحتى عندما أراد أن يسأل لم يتوجه إلا لأمه التي تعمل وتعود متأخرة ، أحسست بان هذا الطفل لا يمت بصلة إلى أية أسرة عربية إلا بكميات الطعام الكبيرة التي أمامه، وبمشاهدة التلفاز معظم الوقت .
حبذا لو أن كاتبنا ورسامه أعطيا صورة اكثر موضوعية عن يوم في حياة طفل فلسطيني ، فلماذا غيّبا الحاسوب ؟ ولماذا غيّبا كيفية أشغال ساعات الفراغ بنشاط مفيد بدلا من إظهار بطلنا بشكله الخامل الذي أظهرته فيه القصة ؟ لو أن كاتبنا كان على علم باهتمامات الطفل في هذا السن، وما يتوقد في جسمه من طاقة ، ما جعله حبيس غرفة أمام شاشة التلفاز وأكوام الطعام مكدسة أمامه صباح مساء.
ولا أجد أن طفلا لم يكن يهتم ليسأل في بداية القصة يعطى مثالا صعبا على مداركه، واعقد من الأمثلة التي أعطتها والدته . مثال في ص (16) عندما أعطى مثالا عن زاوية الرؤيا بالنسبة للجبل.
أما الام … فاظهرها بانها متعلمة عاملة ، تجيب على اسئلة طفلها، تمنحه الحنان والعطف بالرغم من عودتها في ساعة متأخرة .
إن طريقة شرحها للمصطلح بامثلة محسوسة عملية اسلوب تربوي جميل حبذا لو بالامكان ان تقوم كل امّ بذلك .
اما المعلمون – استاذ اللغة العربية يجب ان يكون اكثر المعلمين تيقظا لشرح مثل هذه المصطلحات او الاستعاضة عنها بمصطلحات اقرب لاذهان الطلاب .
واستاذ الاجتماعيات : اظهره الكاتب على انه يستخدم اسلوب البحث والاستنتاج، ولا يعطي الجواب على طبق من فضة.
ما احوجنا في مدارسنا لمعلمين يستخدمون هذا الاسلوب ولا يلجأون لاسلوب التلقين، ولكن عندما سأل ايهما اكبر الفيل ام النملة؟ ادخل الطلاب الى جو من الفلسفة كان في غنى عنه .
وهدى طفلة بريئة مندفعة تحكم على الامور، وتقدر المسافات حسب تصورها الخاص، وبحكم قدرتها الذهنية تساؤلات موجهه للكاتب والرسام.
كيف نتوقع من اطفال في مرحلة من العمر لا يجيدون تقدير المسافات بان يستوعبوا مصطلح السياق المجرد ؟ وكيف تمكن سامي من اعطاء مثل معقد مثل الذي اعطاه في ص (16) ؟
لماذا لم يظهر الرسام سامي في جو دراسي داخل البيت كما ورد في النص ؟ لماذا كل هذه الكميات الكبيرة من الطعام في الرسومات ؟ لماذا افتقدت رسمة ( 17) الى التقريب الحي لاذهان الطلاب لتقدير المسافات باظهار صورة البيتين بالنسبة الى المجلس المحلي ؟
لماذا (ص18) اظهرت صورة التلاميذ يصرخون دون الاشارة لردة فعل المعلم مرسومة ؟
تحدث الكاتب ان الأم تعود مساء، ولكن بتحديد الزمن في ص (8) ظهرت الساعة 3:30 عصرا تقريبا ؟
في ص (13) دار الحوار بين سامي ووالدته لشرح مفهوم السياق فضربت له مثالا ” لبس الملابس الشتوية صيفا ” الا ان الرسام اظهر الشمس بهيئة القمر بدرا، واظهر صورة الغيوم في السماء، وهنا تختلط الامور على الاطفال، والذي من المفروض ان يكون كل طفل غير قادر على القراءة لغويا لديه القدرة على استقرائها من خلال الروسمات -اذا جاز التعبير- بتصويرها للطفل بشكل حسي ، ناطق، بحركات وقفزات والوان وروائح وحتى مذاقات .
لماذا يا رسّام؟ ” ما هو فارس” الصفحات 3،15،22 استخدمت فيها نفس الرسمة للمعلم : حركة اليدين ، الابتسامة، نفس الملابس بهذا فان رسومات بهذا الوضع الجامد تضفي على القصة جوا آخر من الجمود الموجود في كل لوحة من لوحاتها، التي من المفترض ان تكون هي لسان حال القصة، التي لو اخفق الكاتب في وصف معين او سرد حدث، تكون هي له المعين، ولكن للاسف نجد ان الحال واللسان وقعا في نفس المأزق في هذا السياق .
خليل سموم قال:
1- اخطاء لغوية
* ص 4 – وارتفع بالصف صوتهما- والصحيح صوتاهما .
* ص9- للغدّ – لماذا الشدة على الدال .
* ص10 – بعد كلمة ” اتفقنا ” الاولى : يجب وضع علامة سؤال .
* ص 18 – صوتُ كلُّ – والصحيح كلٍّ
* ص19 – كان كل منا منهمك – والصحيح منهمكاً
* ص19 – لكنّ للأسف – والصحيح لكنْ – سكون بدل الشدة
* ص 22- للانسان فم واحد واذنين اثنتين – والصحيح اذنان اثنتان .
2- أخطاء مطبعية – وقد بلغ عددها خمس ، وكلها عدم وجود الشدة باماكنها على الحرف .
* ص 9 وقبلته ، وابدلّ
* ص13 منتصّر
* ص14 مثلجاً
* ص9 ، ص16 تضمه
3- أخطاء بالرسم
* ص6 ( عندما تعود امه من عملها مساءً )، ولكن عندما عادت الى البيت كانت ساعة البيت تشير الى الثالثة والنصف ، وهذا الوقت بعد الظهر وليس مساءً .
* ص 13 طالما ان الدنيا صيف، فلماذا ?
موسى ابو دويح قال:
كتب المؤلف خالد جمعة قصة قصيرة للاطفال بعنوان السياق ، قرأتها مرتين او ثلاثة، ورجعت الى لسان العرب والى القاموس المحيط لاعرف ما معنى السياق ، فما وجدت في القاموسين المذكورين سوى معنى واحد هو مهر الزوجة ، حيث كانت العرب تسوق المهر من المواشي ابلا وبقرا وشياها والضأن والماعز ، وبذلك سموا المهر سياق المرأة .
تكررت كلمة السياق في القصة ست عشرة مرة ، حاول الكاتب فيها ان يبين معنى السياق للاطفال ، او ان يستنتج الاطفال معنى الكلمة ويفهموها، وفي تقديري ان الكلمة بقي فيها غموض وابهام- لا على الاطفال فحسب – بل على الكبار ايضا .
والمعاني التي ظهرت للكلمة من خلال القصة هي الواقع والمناسبة والمألوف والموجود وبالاعتبار او اعتبار المواقع فجاءت السياق في جملة : ” ان علامات الاول على الصف تكون حسب السياق ، وجملة : ” ألم يكن من الافضل ان تختار سياقا أفضل للسؤال؟ وجملة : ” إن السياق يشبه كيفية لباسنا الى حد بعيد ، وجملة : ” لو اننا لبسنا الملابس الثقيلة في الصف لضحك علينا الناس لانها ستكون خارج السياق ” ، وجملة :” إن السياق يشبه نظرتنا الى الجبل ، فاذا نظرنا اليه من اسفل قلنا هذا ارتفاع، واذا نظرنا اليه من اعلى قلنا هذا انحدار .
فالكاتب اراد من كل ما كتب ان يغرس في نفوس الطلاب الصغار ان يكونوا واقعيين ، اي ان يتأقلموا مع الواقع الذي يعيشونه ولو كان مرّا ، او ان يسلموا بالامر الواقع ، كما يفعل حكام البلاد العربية اليوم ، حيث يرضخون شعوبهم ويطبعونهم لقبول الاحتلال ، والعيش في كنف الاحتلال ، لانه واقع لامناص منه، ولانه مفروض علينا ، ولا طاقة لنا بتغييره ، ولان الكف لا تناطح المخرز ، ولان اسرائيل تملك من قوة السلاح مالا تملك ولأن ولأن ولأن … الى آخر هذه التبريرات التي يقوم بها المطبعون والمهرولون والمنتفعون والعاجزون والمجرمون، فهم يريدون ان يجعلوا من اسرائيل بل من الصهيونية حقيقة واقعية راسخة في الاذهان ، مقبولة عند الصغار قبل الكبار، ولو عشنا تحت فعال الصهاينة . فعلينا القبول والرضا والتسليم .
ايها العاجزون، لا تفضوا عجزكم على الصغار، بل اعرفوا بعجزكم، واتركوا الحل للصغار، فهم – ولا شك – لن يقبلوا برأيكم، ولن يكونوا مثلكم، ولا تعملوا على تثبيت الغاصبين في فلسطين واضفاء الشرعية عليهم .
لقد سبق للفرنجة الغربيين او من سموا بالصليبيين، احتلال فلسطين وبلدان غيرها من بلاد الشام حوالي مئتي عام. وما وجدنا احدا يضفي الشرعية على المحتلين الصليبيين، بل كان الفكر المهيمن على الاذهان، ان هذه البلاد بلاد المسلمين، والفرنجة غاصبون لها بظلم، ولا بد يوما ان يزول الظلم، وبالفعل زال الظلم وعادت الارض الى اهلها وطرد منها الصليبيون .
واعلموا ان العربي لا ينسى ثأره ابدا، حتى ولو كان المعتدي عليه من اقرب الناس له كابن عمه واخيه. فهو شيئا ولو بعد حين، فقولوا لي بالله عليكم، كيف لطفل او اطفال رأوا جرافات الاحتلال تشردهم من بيوتهم وتهدمها على ما فيها، كيف سيزول ذلك من اذهانهم وينسونه ولا يكترثون به؟! وكيف للاطفال ان ينسوا منظر الجرافات وهي تدمر اشجار الزيتون وغيرهما، التي أفنى الفلسطينيون أعمارهم في زراعتها وتربيتها حتى صارت مصدر عيشهم ومعيشتهم؟! وفي لحظة جائتها الاليات الاسرائيلية فاقتلعتها من جذورها ودمرتها تدميرا.
اقول لكم: هذه امور لا تنسى، وإن كتب للاطفال ملايين سياقات، هذه امور حفرت في ذاكرة الاطفال، ولكل ظالم نهاية، والظلم لا يدوم ابدا، ولا يدوم الا الحق والعدل والخير والمعروف والاحسان، اما الباطل والظم والشر والمنكر والسوء، وان راي الناس بقاءه طويلا – فهو الى زوال .
ابراهيم جوهر قال :
تتناقض هذه القصة مع قصة الوطن التي نشرت ضمن مجموعة ( سر الغولة وقصص أخرى ) سنة 1996م ، اذ تبدأ ريما بالبحث عن معنى الوطن منذ عودتها من المدرسة لان المعلمة طلبت من الطالبات ذلك ،اما هنا في قصة ( السياق ) فان ساميا يبحث عن معنى للكلمة .
وفي سبيل الوصول الى معنى ادخل الكاتب احداثا وشخصيات ومواقف جاءت خارجة عن سياق القصة لكي يصل الى مغزى المشروع الذي تبنى هذه القصة .
إن مشكلة الكتابة المفصلة وفق فكرة مسبقة – مقترحة ( كما هو الحال هنا ) تقود الى الوقوع في جملة من الاخطاء تتمثل في عدم الاقناع، ومصادرة فنية القصة وفضائها من خلال تحديد انطلاقة الكاتب مع خياله وافكاره وشخصياته وتدفق لغته وهو يخاطب الطفل الذي في داخله .
ان تفصيل الافكار يقود الى تفصيل الشخصيات، وتفصيل اللغة وتفصيل الخيال من هنا ، فان اهمية تناول موضوعات وافكار من حياة الطفل يضمن للقصة النجاح والحياة ، فاذا كان كاتب ادب الاطفال يخرج القصة من الحياة فان القرار من الاطفال وهم الذين يعيدونها إليها.
لقد جاءت هذه القصة ضمن نوعية القصص التعليمية – التهذيبية ، وكنت اتمنى لو خفف الكاتب من الخطابية والموعظة، ومن الامثلة التي حشدها بكثافة لوضح مفهوما ، هو في الاساس مقحم على النص من خارجه وليس نابعا من داخله ، او ممتدا امتدادا طبيعيا له .
سامي الجندي قال :
تبدأ احداث قصتنا لهذه الليلة : اللهم اجعلها مباركة ، مثل كل ليلة خميس باحدى شوارع غزة النظيفة، والواسعة الخالية من اي مخلوق سوى سامي بطل القصة ، يبدوا على عجالة من امره كانه ذاهب الى المدرسة او : مغادرة هذا الشارع الكئيب الغارق بممنوع التجول . .
سامي طفل مفكر يلتقط الكلمات، ويحاول معرفة معانيها بكل الوسائل الممكنة له .. وفي الفترة الاخيرة يحاول معرفة معنى كلمة سياق، وتحليل مغازيها المحيرة ، لقد اقتحمت هذه الكلمة هدوء تفكيره، واربكته مرة يسمعها من امه في الدار ومرة بنشرة الاخبار .. حتى المعلم ربط معرفة معناها بحل الخلافات بين التلاميذ الشطار .
يجلس لتناول طعام الافطار بينما يشاهد النشرة الاخبارية ، افطار خال من الزيت والزعتر على المائدة الفلسطينية يسبب لي الحرج الشديد، لانني منذ ان وعيت على هذا العالم وكل يوم افطر زيتا وزعترا ، واستطيع القول بانني اكلت حقلا كاملا من الزعتر او بيدر ، ومن الزيت برميلا او اكثر ، ومثل جرير فقد جاوزت حد الاربعين ،ولم اشاهد نشرة اخبار واحدة حينما كنت افطر . وسامي لا يزال يفكر : بمعنى الكلمة التي لم يمر عليه مثلها، وان مر فهو لا يتذكر ، اذا ما العمل ّ؟ ؟ ؟
قرر ان يسأل امه ، لعلها تعطيه اجابة واضحة قاطعة وصريحة ، وحينما عادت امه من العمل .. سألها موضحا لها ان حلّ خلافه مع زميلته هدى متوقف على معنى كلمة سياق ، وفي نفس السياق قال لها ان الخلاف وقع خلال حصة الاجتماعيات .
اما توضيح الام ( صفحة 13 ان السياق يشبه كيفية لباسنا الى حد بعيد ) كان مناسبا اكثر كلمة ( المألوف ) بدل السياق حين قالت ( لضحك الناس علينا لانها خارجة عن السياق .) .. ومعدله سيكون حسب ذلك الترتيب وليس ضمن ذلك السياق .
وفي جلستنا هذه ارجو ان يوضح الاخوة والاخوات هذه النقطة حول البلاغة ان جاز التعبير ، فانني اعتقد بان القصة هزيلة من ناحية البلاغة، وكلمة هزيلة تعني يوجد القليل من البلاغة، لذلك اسمحوا لي فانها اي القصة خالية تماما من اي بلاغة، حتى استخدامات كلمة سياق لم يتلائم مع السياق العام للقصة ، فمثلاً ص 16 ( ان السياق يشبه نظرتنا الى الجبل، فاذا نظرنا الى الجبل من الاعلى لاننا عليه ، وحينها سننظر الى الوادي ، من الممكن ان مسألة النسبية لم توضح او تبسط، مثل ايهما اكبر النملة ام الفيل؟ ص 21 يجب ان تكون الصيغة اكثر تحديدا كأن يسأل ايهما اكبر سنا او حجما او انفا الى اخره .
ارى ان القصة ليست على مستوى مناسب من ناحية الصياغة ” والحبكة والفكرة ، فالفكرة كحسن الاستماع فكرة ممتازة ويجب توضيحها ايضا من خلال قصص الاطفال ، لان الاستماع للمتحدث هدفه ادراك مكنون الكلام والحديث ، ثم الرد والسؤال بما يتلائم والمنطق ، وليس لان الإنسان له زوج من الاذنين ولسان واحد.
موضوع القصة يتمحور حول تسوية وادارة الخلافات ، وفكرته جيدة وحساسة وشائكة ومعقدة في آن معا، ولا يمكن تعميم الحلول التي تناسب الخلاف من النوع العائلي العشائري، او كما هو بين سامي وهدى ليناسب حل نزاع، وايضا هناك الصراع الذي يأخذ مجرى اخر ومختلفا كليا فلكل خلاف او نزاع او صراع ميزات مختلفة وسبل الحل مختلفة ايضا .
لفن القصة عناصر اساسية لا بد من توافرها ، عند تأليف قصة ما منها : الاحداث والاشخاص والحبكة ، والبيئة المكانية والزمانية والخاتمة التي تسبقها لحظة التنوير , وفي هذه القصة فانني لم اجد تلك العناصر . اي ان هذه القصة او الكتيب ، تخلو من الفن القصصي .
صحيح ان هناك بعض المعاني مثل ( الحوار ، والاستماع للاخر ، وتقبل الاخر والتسامح ) الا انها جاءت جامدة ، ولم توضع في اطار فني، بل جاءت الفاظا مجردة تقريبا ، كما انها جاءت خالية من عنصري التشويق والاثارة التي تشكل دافعا لرغبة الاطفال لمتابعة اي موشوع ، انها تخلو من الصراع القصصي المحبب لدى الاطفال والذي يلفت انتباههم.
ان اصعب ما يواجه الكاتب البداية بما تمثله من غموض ، والنهاية التي تتحدد بتحقيق اهدافه بعد معالجتها . ولكن كاتبنا بدأ هذه القصة بعبارة لو أن سامي سمع الكلمة مرة واحدة ” اي كلمة ( السياق ) : انني استغرب من طرح مثل هذه الكلمة في قصة كاملة ، فهي ليست بحاجة لتأليف موضوع حولها ؟ لانها لاتشكل اهمية لدرجة ان تكون ضمن اولياتنا في تاليف قصة حولها ووضعها بين ايدي الاطفال لتعريفهم مفهوم السياق .
لقد راقبت المعلمين في المدرسة وفي غرف الدرس، وراقبت الناس في الشارع وفي المقهى وفي البيت ، فلم اسمع هذه الكلمة على الاطلاق خلال اسبوع كامل ، ان هذه الموضوع مصطنع، وانا على ثقة يان الكاتب نفسه غير مقتنع به ، الا ان الحالة التي وصلنا اليها تعبر عن نفسها من خلال هكذا اعمال بعيدة كل البعد عن الادب القصصي المتعارف عليه .
هناك امور ومواضيع اهم بكثير من هذا الموضوع، وبالتأكيد فان ( السياق ) ليست احداها،
وقد تطرق الكاتب في آخر صفحات الكتاب من ص 20- الى اسس الحوار والاصغاء، وكانت معالجته لهذه الاسس سريعة اتسمت باسلوب الوعظ والتلقين، وهذا مخالف لدور الكاتب القصصي .
وقالت حذام العربي:
ثلاثة كتب صادرة عن مشروع “تعليم حقوق الانسان،التسامح وحل النزاعات”في دائرة التربية والتعليم التابعة لوكالة الغوث، وقد قرأتها وفق الترتيب التالي :
1. تجربة قاسية_تاليف محمود شقير _2001
2. دموع اللون الاصفر _تاليف خالد جمعة _2000
3. السياق تاليف خالد جمعة2001
الاخراج الفني جيد،الورق مصقول ولامع،ومزيج الالوان كذلك جيد وملفت للنظر.
احترت فيما اسمي الكتب هل هي قصص للاطفال او الفتيان ؟ فهذا ما لا تحتمله هذه النصوص ، حتى انني لم استطع الجزم في عنوان الرسالة ؟ ولمن كتبت هذه الكتب ؟ من هو القارىء المستهدف ؟الطفل ام الفتى؟
على اية حال الامانة تـقتضي الاشارة اولاً الى انني بدأت في قراءة كل كتاب من الكتب المذكورة دون الاخذ بعين الاعتبار ما جاء على الغلاف الخارجي ( الممول والناشر)،وذلك كي لا احملها فوق ما يمكنها ان تحتمله.
الكتاب الاول يعالج مسألة التسرب من المدرسة ،وقد يكون مناسبا للفتيان على وجه العموم في جيل المراهقة ، المرحلة الثانوية .
الكتابان الثاني والثالث يعالجان قيماً من عالم العلاقات الانسانية مثل الحوار ، الاصغاء ، تقبل الطرف الاخر … الخ من قيم حقوق الانسان ،التسامح وحل النزعات . وقد جاءت الثروة اللغوية المستعملة والمضمون فيها متضاربة ، وعليه لم استطع الجزم بشأن القارئ المستهدف ، فقد تساوقت هذه احيانا مع مستوى الطالب في الاعدادية ، واحيانا مع مستوى طالب في الصفوف الدنيا الابتدائية .
أثناء قراءة هذه النصوص الحت علي دراسات سبق وقراتها، ومن الطريف والمحزن ايضا ان تواكب هذه تلك ، في عملية الارتباطات الذهنية التي تحتمها كل عملية تعليمية تثـقيفية .
من اهم اركان القراءة ،المتعة والفائدة،في هذه النصوص لم اعثر على هذه ولا تلك ، واكثر من ذلك اصدقكم القول انه في بعض الاحيان انتابني شيء من الغضب والحزن ايضا ، واحيانا اخرى رحت اضحك لطرافة الموقف ، او ربما من باب شر البلية ما يضحك ، ومن المبكيات المضحكات التي احزنتني وأثارت حفيظتي في هذه النصوص هذه النغمة الفوقية الاستعلائية ،الوعظية، والارشادية ،وفي الكثير من الاحيان الاستخفاف بالحد الادنى من الذكاء للقارىء الطفل، وبالاضافة الى ذلك الافتراض اصلا ان سقف هذا الذكاء متدن الى درجة يسمح معها الكاتب لنفسه بان يستهتر بالقارىء الطفل الى حد ممجوج،على سبيل المثال ،في الكتابين الثاني والثالث ، كان الحدث جزئياً في المدرسة وفي هذا “السياق” لم يتورع الناشر او المخرج او الكاتب عن وضع الرسالة ، رسالة للقارىء الطفل على اللوح في غرفة الصف، بشكل فج يثير الاشفاق، (للانسان فم واحد واذنان اثنتان ليسمع اكثر مما يتكلم ! والرسالة الثانية التمييز!). وعليه لم اجد من المناسب التطرق الى المسائل الفنية الجمالية ، كعنصر التشويق ، اللغة…الخ او الانزلاق الى مناقشة التفاصيل، اذ لم اقرأ في هذه النصوص ما يبرر ذلك.
قرأت في هذه النصوص مادة تعالج القيم الاخلاقية الحميدة والايجابية المنشودة ، بصيغة معلوماتية تلقينية!!هل يمكن تلقين القيم الاخلاقية وكأنها مسألة حسابية؟!حتى وان امكن صياغة ذلك لغويا ولغتنا تحتمل هذا ، فهل هذا يفي بالغرض ؟! هل تلقين هذه القيم يؤدي الى تذويتها لدى القارىء الطفل او الفتى ؟ ام ان تذويت القيم يلزمه مجهود سلوكي يومي ومحاولات لا تعرف الكلل او الملل، والانكى من ذلك ألا يراعي الكاتب عند كتابته محدودية الطاقة والقدرة النفسية والوجدانية للقارىء المسكين ؟!اذ كيف يجيز لنفسه التعامل مع هذه المفاهيم والقيم وطرحها على القارىء الطفل، او الفتى كاسلوب ووسيلة ممكنة للتعاطي مع المحيط والبيئة الاجتماعية، ومن الناحية الاخرى الخبرة الحياتية اليومية الفعلية للطفل والفتى الفلسطيني لم تعرف او تتعدى او تحتك سوى بواقع من القمع والاضطهاد، والاستلاب والارهاب ، والعنف والاحتلال، واغتصاب الارادة … الخ من موبقات الاحتلال ، ابسط ما يقال في ذلك انها رسالة المعايير المزدوجة التي تترك الطفل القارىء في حالة من البلبلة والضبابية واختلاط الامور، وهذه الرسائل ذات المعايير المزدوجة ،هذه الثنائية طالما أدت وتؤدي الى البلبلة ، حيث تعتبر من أهم اساليب التعذيب النفسي للمعتقلين في السجون ، فما بالك بالنفوس الغضة من الاطفال والفتيان ؟.
هل بجوز لنا الفصل الميكانيكي المفتعل بين الخاص والعام ؟ او بين القصة والابداع الادبي وبين الاوضاع والاحوال السياسية وغيرها ؟
كي لا اقع في المحظور, ارحل بعيدا عن هذه الديار واضرب مثلا عن الترابط بين الاحتلال العسكري الامريكي مثلا) والاحتلال الثقافي والفكري والتعليمي لدولة كافغانستان ، مثلاً.فقد جاء في تقرير المرأة الافغانية المقدم الى البرلمان الاوروبي في بروكسل آذار من العام 2002″… فقد صرفت الولايات المتحدة الامريكية تحت اسم المعونة التعليمية لافغانستان 51 مليون دولار من العام 1984 وحتى العام 1994. ووزعت اكثر من اربعة ملايين كتاب مدرسي على التلاميذ وملايين الكتب الاخرى المليئة بالآيات القرانية والتفسيرات المناسبة بطبيعة الحال لما يريده الموزع الكريم (آنذاك). عندها كان الهدف نشجيع الاطفال والشباب الافغاني على قتل الكفار وغيرهم من الملحدين (من الاتحاد السوفياتي) هذا عن طريق المعونات الثقافية الهادفة الى تشجيع القتل والتعصب على حساب الدين الاسلامي،ولاحقا لسقوط الاتحاد السوفياتي وسقوط نظام الطالبان في افغانستان بدأت الحكومة الامريكية بنفسها تمسح من تلك الكتب التي شحنتها الى كابول ، جميع الآيات او التفسيرات التي تحض على الحرب والجهاد في سبيل الله ، وتضع مكانها ايات اخرى تحض على المحبة والسلام، وتسهم الامم المتحدة عن طريق منظماتها (اليونيسيف) في صرف هذه الكتب والمعونات التعليمية تحت اسم المساعدات الانسانية للشعوب الفقيرة،لتقوية الروح الدينية لدى الاطفال والتلاميذ …وقد خصصت الحكومة الامريكية 296 مليون دولار معونة تعليمية لارسال كتب اخرى جديدة ومسح الكتب القديمة … وامام موظفي اليونيسيف في افغانستان نصف مليون كتاب يدرس العنف والارهاب تحت اسم الجهاد الاسلامي وأمامها ميزانية … ومئات الموظفين من النساء والرجال في اليونيسيف مشغولون اليوم بمسح الصور في الكتب التي تصور البنادق يحملها المجاهدون الافغان… تستبدلها بصور الزهور والبرتقال وحمامات السلام “(عن كسر الحدود د.نوال السعداوي مكتبة مدبوليالقاهرة_2004).
والسؤال المطروح هو: هل يجوز لنا فصل العام عن الخاص ؟ هل نحن اصحاب حظوة او حضور أخّاذ على المسرح الدولي ولذلك اوضاعنا تختلف عن اوضاع الشعوب في كافة اصقاع الارض ؟ ولذلك ،على سبيل المثال لا تجوز المقارنة بين الاونروا ومشاريعها في المناطق الفلسطينية(مشكورة ومع جزيل الامتنان) ومع ما تقوم به اليونيسيف في بلاد الافغان؟ هل يجوز أو يصح فصل الاوضاع الاجتماعية عن السياسية او الاقتصادية ؟ هل يمكن الفصل بين القيم الأخلاقية مكاناً وزماناً؟ أي ان تكون متسامحا ومحاورا ومتقبلا للآخر في المدرسة صباحاً في حين تكون متزمتا منغلقا وعدائيا مع الجيران مساءاً؟ هل يمكن للانسان الطفل /الفتى/الشاب/الكهل ان يكون عنصريا متزمتا واصوليا فيما يخص اللون او الانتماء المذهبي او الديني ؟في حين يكون متسامحا ليبراليا وديمقراطيا فيما يتعلق بالانتماء القومي؟وإن كان الجواب سلبا او ايجابا فلماذا؟ واذا كان الجواب يحتمل امكانيه الفصل واجتزاء الاشياء والقيم والمعايير فلا بأس في ذلك . يبقى الوعي بالاجتزاء ، والتعاطي معه بحكمة أهم بكثير من وجوده،والقارئ اللبيب من الإشارة يفهم.
جاء دور المرأة في النصوص الثلاثة نمطيا الى ابعد الحدود،كما ان رؤية الكاتبين للمرأة لم تتجاوز تحميلها ذلك الدور المسطح المهمش لذاتها،بفتح وكسر الطاء والهاء. وأعجب لنصوص تم اعدادها للاطفال ، اي انها ضمنا ستلعب دوراً في تنشئة جيل المستقبل ، كيف تستسيغ عرض هذا الدور الهلامي للمرأة ،وكأنها من عالم الحيوانات اللافقارية؟ فالمرأة في الكتاب الاول والثالث هي تلك التي لاطعم لها ولا لون ولا رائحة،سوى أنها قطعة من الاسفنج التي تمتص الاجواء المحيطة بها تتعرف عليها (غريزياً؟) ثم تقوم بكل ما أوتيت من قوة وطاقة على اشباع رغبات العائلة المادية وغيرها ، هذا إن اسعفها الحال، اما هي كينونتها،ارادتها،احتياجاتها،فكل ذلك خارج”السياق” وخارج المكان والزمان،وجودها مقصورعلى كونها ذلك المارد المطل من القمقم قائلة لطفلها “ويستحسن ان يكون ذكراً”؟!…شبيك لبيك …او لتقطع السبع بحور…ولتسهر على راحة الابن/ة او غيره/ا من افراد أسرتها من خلال الالغاء الذاتي!وهذا مناف ومجاف للحقيقة والواقع.
إن نفي المرأة(الأم) الى المكان والزمان اللانساني بدعوى المثالية والتفاني في وعلى خدمة الغير، يحمل في حقيقة الامر في طياته الكثير من الاضطهاد والغبن والنظرة الدونية،وهذا على الاخص عندما ينبري الرجل، ويتبرع باسباغ صورة تشمل هذه”الصفات الرائعة” كالتضحية وغيرها على المرأة ،وكانه بذلك يريد اعلاء شانها!
هذا التشييء للمرأة ودورها طالما لبس لبوس”التفاني في وعلى خدمة الاخرين” او السهر على رعاية افراد العائلة،وأطل علينا من اقلام ذكورية(للرجال والنساء على حد سواء) تبرعت بالمرأة وقدمتها قربانا على مذبح نكران الذات لمصلحة العائلة،ولكنه اطل علينا بخاصة من اقلام الرجال مفصحا عن دور هذه “المرأة الرائعة” في ذلك الذهن الذي يرشح بالاستعلاء الذكوري ملتـفا بعباءة الالفاظ المنمقة التي تـتيحها لغتنا العربية.