يعجز أيّ انسان بل أيّ مؤسسة، وحتى سفراء وقناصل الدول الاجنبية في رصد الانتهاكات الاسرائيلية الرسمية لحقوق الانسان الفلسطيني، فالمؤسسة الاسرائيلية الرسمية تتفنن في”ابداع ” ما لا يقبله العقل البشري السليم من ممارسات على الارض تهدف الى اقتلاع من تبقى من الشعب الفلسطيني على ترابه الوطني .
وبما ان الادارات الامريكية المتعاقبة تعتبر اسرائيل “واحة الديمقراطية في الشرق الاوسط ” فإن الادراة الامريكية الحالية تعتبرها منبع الديمقراطيات في العالم. فالرئيس جورج دبليو بوش اعتبر اسرائيل الجبهة المتقدمة في محاربة ” ارهاب الشرق ” ويقف معها 300 مليون امريكي، وبهذا فإن قادة اسرائيل والادارة الامريكية متفقان على ان احتلال اوطان الآخرين امرا مشروعا، فمثلما تواصل اسرائيل احتلالها لاراضي الدولة الفلسطينية، وتشريد ملايين الفلسطينيين في ارض اللجوء، فإن جورج بوش احتل افغانستان والعراق، وشرد الملايين من شعبي هذين البلدين، واذا كانت اسرائيل تعتبر احتلالها الاراضي العربية “تحريرا لأرض اسرائيل من الغرباء ” فإن بوش يعتبر احتلال العراق وافغانستان تحريرا لشعبيهما من الانظمة الديكتواتورية ” وبالتالي فإن العالم جميعه على خطأ من منظار القوة الامريكية وحليفتها اسرائيل، وهكذا أيضا فإن الاحتلال لا يجب ان يُقاوم الا اذا تعلق بالاراضي الامريكية أوأراضي الدولة العبرية.
وبما ان اسرائيل سباقة في الاحتلال قياسا بأمريكا، فإنها تتفنن في ممارسة هذا الاحتلال الى درجة تغيير ملامح الارض المحتلة من خلال الاستيطان، واحلال المستوطنين مكان الفلسطينيين، وتتفنن ايضا في انتهاك الحقوق الانسانية لمن تبقى من الفلسطينيين في بيته وعلى تراب وطنه. واذا كانت امريكا وحلفاؤها بل والعالم اجمع قد ضجوا وثاروا – ومعهم كامل الحق – ضد جدار برلين الذي قسم العاصمة الالمانية الى قسمين في اعقاب الحرب الكونية الثانية، وواصلوا ثورتهم حتى انهياره فإن امركيا تدعم وتمول جدار التوسع الاسرائيلي الذي دمر الاراضي الفلسطينة في الضفة الغربية، هذا الجدار الذي يدخل في عمق الاراضي الفلسطينيية، ويقسم قرى فلسطينية عديدة، ويشتت عشرات آلاف العائلات الفلسطينية، ويحاصر الشعب الفلسطيني في” كانتونات” متباعدة لا مقومات للعيش الآدمي فيها، ومع ان محكمة العدل الدولية في لاهاي قد اوصت بهدم هذا الجدار وادانة بُناته، الا ان ذلك غير وارد في عرف القادة الاسرائيليين وحلفائهم في البيت الابيض، حتى ان دولا عربية واسلامية وصديقة لم تعد تتحدث عن هذا الجدار خوفا من ان يـُتهم قادتها بالنشوز عن بيت الطاعة الامريكي.
واذا كان من الصعب رصد الخروقات الاسرائيلية للوائح حقوق الانسان، وللشرعية الدولية، وللقانون الدولي، ولاتفاقات جنيف الرابعة بخصوص الاراضي التي تقع تحت الاحتلال العسكري، فإن احدا لم يكن يتوقع ان اسرائيل المحتلة يمكن ان تلجأ الى عمل جيوب معزولة ومحاصرة، في القدس الشرقية التي تعتبرها اسرائيل جزءا من “عاصمتها الموحدة والأبدية” حتى ان قناصل الدول الاجنبية في القدس الشرقية والذين يرصدون ما يجري في الاراضي المحتلة، صدموا من هول ما رأوا في جولتهم يوم 21 نيسان 2008 مع عدد من موظفي مكتب رئاسة السلطة الفلسطينية الى حيّ ” دير السُّنة ” وحيّ أبو مغيرة المحاذيين لقرية ابوديس من الجهة الغربية، فهذا الحي الذي تسكنه اكثر من ثلاثين أسرة من عائلتي السرخي والقنبر، داخل حدود بلدية القدس حسب التقسيمات الادارية للاحتلال، وهو جزء من السواحرة الغربية – جبل المكبر- ويبعد أقل من اثنين كيلو متر عن أسوار القدس القديمة، وجاء جدار التوسع الاسرائيلي بمحاذاته من الجهة الشرقية فعزله عن امتداده الفلسطيني، وهو معزول عن بقية احياء السواحرة الغربية – جبل المكبر – كونه يقع على قمة جبل شديد الانحدار، وبما ان المحتلين يخططون لبناء حيّ استيطاني سيحاصر الحيّ الفلسطيني من جميع الجهات، فإن الحيّ الفلسطيني وقع ضحية الحصار، فانقطعت به السبل، ولا يستطيع مواطنوه من الدخول اليه الا عبر بوابات حديدية، تحرسها نقاط عسكرية موجودة بشكل دائم، ومسجل فيها اسماء ساكني الحيّ عند بناء البوابتين قبل اكثر من عامين، وعند بناء الجدار الاسرائيلي تم قطع المياه القادمة من ابو ديس عن الحيّ، فعانى الأهالي من العطش حتى الاسابيع القليلة الماضية عندما وافقت بلدية ” اورشليم ” على تزويدهم بخط مياه يكلف كل بيت عشرات آلاف الدولارات، ومعروف ان البلدية لم تتوان يوما في جمع ضريبة المسقفات – الارنونا – من اهالي الحي، مع انها لا تقدم لهم اي خدمة. ولا يستطيع احد من غير ساكني الحي الدخول اليه ، مما يولد مشاكل كبيرة جدا ، منها على سبيل المثال لا الحصر أنه في حالة وفاة احد من اهالي الحي ، فإن احدا من خارج ساكنيه لا يستطيع الدخول للمشاركة في تشييع المتوفي، أو تقديم العزاء فيه.
واذا ما أراد أحد من خارج الحي الزواج من فتاة داخل الحي، فإنه لا يسمح له ولذويه بالدخول لعمل مراسم الخطبة والزواج، ولا يتبقى لهم سوى التسلل وتسلق منحدر جبلي شديد الانحدار يصل الى اكثر من ثمانمائة متر ، لا يقوى الشيوخ والاطفال على تسلقها ،ويرهق الفتيان اذا ما تسلقوه.
واذا ما اراد احد من ابناء الحي المنكوب ان يتزوج من فتاة من خارج الحي ، فإنه لا يستطيع ادخال العروس الزوجة الى بيته في الحيّ لان اسمها غير مسجل عند بوابات الحصار. وقائمة المعاناة تطول حيث ان ادخال انبوبة غاز الى بيوت الحي يشكل هدفا يصعب تحقيقه الا بعد معاناة وفي مخالفة واضحة لشروط السلامة … وهكذا.
ولا تتوقف المعاناة عند هذا، بل تتعداه الى أمور تمسّ بالأمن الداخلي لهذه الأسر المحاصرة، فمثلا عائلة السرخي انقسمت الى قسمين يفصل بينهما جدار التوسع الاسرائيلي بشكل مأساوي، فمثلا المرحوم الشيخ العشائري قاسم السرخي الذي انتقل الى رحمته تعالى قبل اقل من شهرين ، انقسم ابناؤه الى قسمين ، قسم غرب الجدار وقسم شرقه، مع ان المسافة بين بيوت الطرفين لا تزيد عن مائة متر، ومات دون ان يتحقق حلمه بدخول بيوت ابنائه . ومثلا فإن الحاجة العجوز التسعينية أرملة المرحوم ابو احمد قاسم السرخي، بحاجة الى مساعدة ورعاية ابنتها هيفاء ” أمّ طارق ” مع ان المسافة بين بيت الأم وبيت البنت لا تزيد عن مائة متر ايضا، والبنت لا تستطيع الوصول الى بيت والدتها وبيت اشقائها، لأنها ليست من سكان الحيّ المنكوب، حتى ولو استدارت عبر ابو ديس، العيزرية، الخان الاحمر، حاجز الزعيم، واد الجوز والاتجاه جنوبا الى راس العامود الى كُبسة الى بيت والدتها، وتقطع مسافة تزيد عن الثلاثين كيلومتر لان اسمها غير مسجل على قائمة بوابة الحصار