صدرت رواية “الخاصرة الرخوة للكاتب جميل السلحوت نهاية العام 2019 عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع في 260 صفحة من الحجم المتوسط.
قرأت الرواية مرّتين، وهي مخطوطة أرسلها الكاتب لي مشكورا، وتحت عنوان: في العتمة. وقد استمتعت بقراءتها، ولا آتي بجديد، إن قلت أن الله سبحانه وتعالى قد وهبه سليقة في الكتابة، والتي يقولون عنها أنها السهل الممتنع، وهي التى يُتخيّل لمن يقرأها أنه قادر على كتابة مثلها، وحال ما يخوض التجربة يجد نفسه عاجزا تماما عن الإتيان بمثلها.
وقرأتها بعنوانها الجديد: الخاصرة الرّخوة، للمرة الثالثة، وقرأت مطالعات من كتبوا عن الرواية من رجال ونساء، كل من وجهة نظره فيها، وأجمعوا على أن الكاتب في روايته، وتناوله قضية الزواج لثلاث فتيات، فشل زواجهن، وهن: الفتاة الصغيرة عائشة، والتي انتهت بالطلاق مع الفضيحة، وهي طاهرة وبريئة، نتيجة الجهل وعدم المعرفة، ومفهوم أن العفة والطهارة مربوطتان بنقطة الدم التي هي العلامة، وهي الفيصل الحق في الإثبات من وجهة نظرهم المتعفّنة.
وجمانة المتعلمة، وصاحبة الشهادة، والجميلة، التي لم يسعفها علمها، في أخذ قرارها الصائب بالزواج، ورضخت لمشيئة الأهل والمجتمع والعادات، فزّفّت لأستاذ شريعة، من متلقي العلوم بغير تفكير فيها، حال جميع الأمة التي تعتمد النقل، ولا تستعمل العقل، في موروث جلّه، من صنع البشر، ولا يمتّ الى الله ولا إلى ما أنزله على رسوله، إلا بالإسم وبأسباب واهية عمل العقل الذكوري على حرفها عن مقاصدها.
وصابرين المتحررة بغير ضوابط العقل والمثل والأخلاق، اللهم إلا محاكاة الغير، وكأن الرقيّ والتقدم لا يكون إلا بالانفلات، مع رجل أفسدته الثروة والمال، واعتقد أن كل شيء، بالمال يشترى.
وحماة جمانة، المرأة المتسلّطة الغيورة، والتي لا ترى أبعد من أنفها، في مجتمع مترهّل، وسياسة عمياء، وفساد مستشر، وقليل من الناس الذين يعرفون الخطأ من الصواب، ولا تأثير لهم، في هذا البحر الذي يموج بأشكال من الجهل، وتداخل الثقافات ببعضها، من غير ضوابط ولا معايير.
وكل من طالعوا هذه الرّواية، مدحوها بمدح كاتبها، وأجمعوا على أنّ شيخنا الجليل، الشيخ جميل السلحوت، والذي أعرفه جيدا، قد كسر التابوهات، التي كان الكتّاب يبتعدون عن الخوض بها.وأنه عرّى الزيف والنفاق، وكشف الجهل والمستور، بإظهاره أساليب تعامل شخصيّات روايته، والتي تنمّ عما يحملونه من أفكار وموروث من المفاهيم البائدة، والتي عفا عليها الزّمن، وليت عرضه هذا كان قويا بقوة أسلوبه في الكتابة، فهو كمن يحوم حول الحمى ويوشك أن يدخل فيه، وسرعان ما تجده، قد نآى عنه.
وتراه ينبذ فكرة معيّنة ويثبّت أخرى مثلها يجب أن تنبذ، من حيث يدري أولا يدري، وربّما لا يريد أن يقترب، من عش الدبابير كثيرا، خوفا من اللسع.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، تفاجىء جمانة زوجها، أثناء مناقشتها زوجها أسامة، حول الكتب والقراءة، فتقول له أنها قرأت البخاري، “والذي يقولون عنه أنه أصدق كتاب بعد كتاب الله”، وهو الكتاب المملوء بالمغالطات،والإفترءات على الله ورسوله وعلى الدّين بما لا يقبله عقل، وأبعد ما يكون عن الله فيما أنزل، بل ويناقضه تماما.
من جهة أخرى، تقول إحدى مطالعات الرّواية، أن أسامة، لا يعرف من الدّين إلا أنّ الرجال قوامون على النّساء، ومثنى وثلاث ورباع. بالمفهوم الموروث، مع أن المعنى مختلف تماما في الحقيقة، عما وصل إلينا، وورثاه.
وأتى الكاتب بآيات وأحاديث، على ألسنة شخوص روايته، لا لتنير العقول بل كانت تثبّت المفاهيم المتوارثة، والتى منها نشكو، ولم يشر من قريب أو بعيد، الى أن هناك أفكارا أخرى ومعاني مختلفة، وتفاسير مناقضة لما توارثناه، بناء على عدم وجود ترادف في التنزيل الحكيم.
ورغم ذلك فمقارباته في هذه الرواية، أقوى من مقارباته السابقة عندما تعرض لقضية الزواج المختلط، بين المسلمين وأهل الكتاب، راجيا في روايته المقبلة، أن يضع النقاط على الحروف؛ فيكون سببا في رفع الغشاوة، ويمسح مع غيره، الغبار الذي ترسّب على مرآة عقول الناس، فيرون الحق حقا، والباطل باطلا.