ما عادت تعنيني ” الجنرال في متاهته ” لأحد الكتاب الأوروبيين ان كانت مسرحية أو رواية ، ففي منطقتنا جنرالات متخصصون في الروايات والمسرحيات التراجيدية التي يطبقونها على أرض الواقع .
فالجنرال الحائز على الأوسمة الاكثر في تاريخ دولته ، لم يحصل عليها عبثاً بل كانت مكافأة له على بحور الدم التي سفكها في تاريخه ، ويبدو أن الجنرال قد أعجبته وأشبعت غروره الدماء المسفوكة ، فأعلن حربه على مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة . واذا كان حزبه قد استنفذ مهماته وشاخ ووصل الى نهايته ، فإنه ارضاء التربية العسكرية المتعطشة للدماء قد أعاد انتخاب الجنرال ليتربع على عرش هذا الحزب لعل وعسى أن يعيد الحزب الى امجاده القديمة. فلبى الجنرال الطلب وبدأ تنفيذ المهمة لاعادة الحزب الى رأس الحكومة ، ومهمته تمثلت في اغراق قطاع غزة في بحر من الدماء ، ووجد حليفين أحدهما طار من رئاسة حزبه تلاحقه الفضائح ، والثانية امرأة تطمح أن تكون رئيسة الوزراء الثانية في دولتها .
ويبدو أن ثلاثتهم يفرحون ويطربون لرؤية الدماء ، فكلما رأوا أشلاء طفل أو امرأة أو شيخ مزقته قذائهم ، فإنهم يصدرون أوامر جديدة لطائراتهم ودباباتهم وطوربيداتهم بتكثيف القصف ليُسقطوا ضحايا جدد بين قتيل وجريح ، ومشوّه وشريد ، ولتتهدم بيوت على رأس ساكنيها .
فكلما ازداد القصف والقتل والتدمير ، كلما أظهرت الاستطلاعات زيادة المؤيدين من الناخبين لأمراء الحزب .
ولم تعد في حسابات أمراء الحرب أنه كلما ازداد القتل والتدمير كلما ازدادت الكراهية والأحقاد في المنطقة ، يساعدهم في ذلك أن من يتشدقون بحقوق الانسان ما عادوا يرون حقاً في الحياة للضحايا المسفوكة دماؤهم ، حتى أن الرئيس المنتهية ولايته في البيت الأبيض بكى قطته السوداء التي نفقت عن عمر يناهز الثمانية عشر عاماً ، وأصدر بيان نعي لها ، لم يفعل نفس الشيء مع ضحايا غزة ، ولم يصدر بياناً يطالب فيه بوقف المذابح في قطاع غزة ، بل انه لم يسكت كي لا يربح حكمة السكوت، بل انه يؤيد المذبحة .
وأمراء الحروب هؤلاء لم يكتفوا بذبح ضحاياهم بالأسلحة التقليدية الحديثة ، بل تعدوها الى تجريب أسلحة حديثة ومحرم استعمالها دولياً ، ليحرقوا أجساد ضحاياهم بطريقة مرعبة .
وكي تكتمل المأساة فإن الهدف هو ايقاع أكبر الخسائر قبل الوصول الى وقف لاطلاق النار ، فلم تعد هناك محرمات ، ولم تعد هناك خطوط حمراء ، ولم تعد هناك أخلاقيات للحرب ، فأصحبت المدارس التي استعملت كأماكن حماية ،وأصبحت المساجد والمراكز الصحية والأطباء والمسعفون وسيارات الاسعاف أهدافاً سهلة للقتل والتدمير ، فنظرية ما لا يمكن تحقيقة بالقوة يمكن تحقيقه بقوة أكبر لا تزال قائمة ، فلا خوف من أية نتائج ما زالت الحماية متوفرة في مجلس الأمن الدولي وفي المحافل الدولية الأخرى ،وفي محكمة الجنايات الدولية ، وما زالت طاحونة الاعلام الصهيونية تخلق من الضحية جلاداً ومن الجلاد ضحية ،وما زال النظام العربي الرسمي لا يجرؤ أن يقول ” لا ” .
فأمراء الحرب سائرون في متاهاتهم ولا يسمعون أصوات ملايين المحتجين في طول العالم وعرضه ، ويتساقط الضحايا بالمئات يومياً ، ويشرد الآلاف يومياً وتهدم البيوت على رؤوس ساكنيها يومياً ، فالهدف هو الدعاية الانتخابية ، واذلال أمة ارتضى قادتها الهوان لهم ولها ،وليتم ترسيم خريطة المنطقة من جديد.