من باب ” الدق على جدران الخزان ” فإننا نكرر التأكيد على ان ” أمّة اقرأ ” لا تقرأ ، واسباب ذلك كثيرة لسنا في مجال الحديث عنها ، ولكننا نشير الى اننا دخلنا القرن الحادي والعشرين بسبعين مليون أُمّي لا يعرفون القراءة والكتابة ، وربما يكون بين ظهرانينا أكثر من ضعفهم لا يجيدون استعمال الحاسوب ” الكمبيوتر ” مع أن شعوبا اخرى قضت على ” أُمّيي استعمال الحاسوب ” منذ اكثر من عشرين عاما ، لكن الأخطر عندنا هي ” الأمّية الثقافية ” لمن محوا أُمّيتهم الأبجدية ، ولذلك فإن الثقافة هي في آخر اهتماماتنا على المستويين الرسمي والشعبي ، حتى ان ميزانية وزارات الثقافة في دولنا العربية ، -ومنها سلطتنا الفلسطينية- هي اقل الميزانيات من بين الوزارات المختلفة ، وكثير من المسؤولين في وطننا الكبير ترتعد فرائصهم من الثقافة ، خوفا من أن يظهر مثقفون خارجون عن عباءة ” الحاكمين بأمر الله ” ولذلك فلا غرابة ان لا يخرج من بين ظهرانينا من ينتج ثقافة عالمية بعد ابن خلدون الذي عاش في القرن الربع عشر الميلادي ، اللهم اذا استثنينا الراحلين ادوارد سعيد ومحمود درويش .
واستمرار لعدم اهتمامنا بالثقافة ، فإن الصحافة العربية ، ومنها صحافتنا المحلية لا تولي الثقافة أيّ جهد يستحق الاهتمام ، حتى أن بعض الصحف التي تخصص صفحة داخلية اسبوعية للثقافة والأدب من باب ” رفع العتب ” لا تعطي أيّ اهتمام للثقافة المحلية والجادة ، فنجد ان غالبية ما ينشر في غالبية هذه الصفحات ، هي أمور بعيدة عن الثقافة الحقة ، وذات مستوى رديء في غالبيتها ، فمثلا من اللافت للانتباه ان نقرأ ونشاهد خبرا بارزا عن أغنية جديدة رديئة الكلمات ، عبثية الموسيقى ، لمغنية أو مغن اكثر مؤهلاتها ومؤهلاته هي التفنن في التعري ، وكشف النهود ، والبطون والأفخاذ ، وما يصاحبها من راقصات أكثر عريا وأكثر اثارة للشهوات والغرائز ، ، في حين لا نجد خبرا عن صدور كتاب ديني أو فكري ، أو ادبي ، كما لا نجد خبرا عن لقاء ثقافي أو أيّ نتاج ثقافي اللهم الا اذا كان الكاتب على علاقة طيبة محسوبة على “ولي أمر” الصفحة الثقافية .
صحيح انه مطلوب من أيّ وسيلة اعلامية مقروءة أو مسموعة أو مرئية ان تغطي الاخبار والأحداث المحلية والاقليمية والعالمية ، لكن مقياس نجاحها وقدرتها وحتى تسويقها هو بمقدار اهتمامها بمحلياتها ، وهذا لا يعني الانغلاق على الخارج مطلقاً ، مع أن الفضائيات ودور الاذاعة وشبكة – الانترنت – تكاد تكون منفردة أو مجتمعة موجودة في كل بيت ، وتنقل الأحداث من أقاصي المعمورة ، الا أن ذلك لا يغني عن وسائل الاعلام المحلية ،فمن المعيب أن نرى ابداعات أدبية مثلاً لمبدعين محليين في الصحافة العربية المطبوعة والالكترونية ولا نراها في صحافتنا المحلية ، علماً أن مبدعيها يرسلونها الى الصحافة المحلية قبل الصحافة الخارجية ،وعدم نشرها ليس ناتجاً عن ضيق الصفحة ، بل لأن الأولوية أُعطيت لمواضيع أبعد ما تكون عن الثقافة الحقة . فمن الجميل مثلاً أن تعطي صحافتنا المحلية اهتماماً بالشباب وبالرياضة على سبيل المثال ، وأن تخصص يومياً لذلك ما بين صفحتين الى ثماني صفحات أحياناً للرياضة ، مع أنه يتم تعبئة هذه الصفحات بأخبار وتقارير وتحقيقات عن أندية أجنبية ، ولاعبين أجانب لا يسمع بها وبهم 99.9 % من أبناء شعبنا ، والسؤال الذي يطرح نفسه هو : ألا يستحق الابداع الثقافي المحلي صفحة أسبوعية ،إن لم نقل يومية؟ خصوصاً وأننا نحتفل بعروس المدائن عاصمة للثقافة العربية في العام 2009 ؟