تثير مقالة د.سري نسيبة الأخيرة والمعنونة بـ”الكنفدرالية:التبصر والهلع” والسبب الذي كتبها من أجله تساؤلات كثيرة، “فالفزعات السياسية” التي تأخذ الطابع العشائري دون العلم بالسبب سائدة بين كثيرين ممن يتعاطون السياسة في بلادنا، وتصديق الاشاعات هي ظاهرة تنتشر بين الشعوب المغلوبة على أمرها، و”انصر أخاك ظالما أو مظلوما” بفهمها الجاهلي هي من سمات المتحزبين دون وعي ودراية، والحماس غير العقلاني وغير المدروس قد يقود الى كوارث، ونحن”العربان” خصوصا في فلسطين الذبيحة نعيش “أزمة مصطلح” فكثيرون منا يرددون مصطلحات دون أن يعوا وأن يدركوا معناها ودلالاتها، وكثيرون منا ينجرون خلف اشاعات كاذبة بثتها وسائل اعلام معادية، وسأعطي مثالا سريعا على سوء استخدام المصطلح “جدار التوسع الاسرائيلي” فمثقفونا ووسائل إعلامنا والإعلام العربي وحتى الصديق يرددون تسميته بـ”جدار الفصل العنصري” فهل تنطبق هذه التسمية عليه؟ وقد نجد عذرا لمن هم خارج فلسطين بترديد هذا”المصطلح” الذي نقلوه عن وسائل الاعلام الفلسطينية، وهم بعيدون عن أرض الواقع ولا يعرفون الحقيقة، بينما لا عذر لنا نحن فلسطينيي الأراضي المحتلة، كوننا نعيش المآسي التي خلفها لنا هذا الجدار، فهو جدار يفصل بين الفلسطينيين أنفسهم، حتى أنه فرق بين المرء وأخيه، وعزل مالكي الأرض عن أراضيهم وعقاراتهم، وما الهدف منه إلا التوسع الاحتلالي، وفرض سياسة الأمر الواقع بضم حوالي 6% من مساحة الضفة الغربية الى اسرائيل، دون الاعلان عن ذلك خوفا من ردود الفعل العالمية وليس العربية، وهو بهذا”جدار توسع اسرائيلي” وتكفيه هذه التسمية لفضح سياسة من بنوه.
والذي يهمنا هنا هو مصطلح”التطبيع” فكثيرون يرددون هذا المصطلح دون فهم لمعناه، والتطبيع مأخوذ من الطبيعة، وطبيعة الأشياء هي سجيتها، وما فُطرت عليه، فهل يُمكن أن تكون علاقات طبيعية بين الجلاد والضحية؟ أو بين المحتل والواقع تحت الاحتلال؟ أو بين القامع والمقموع؟ وهل هناك تفريق بين العلاقات الطبيعية وبين العلاقات التي تمليها الضرورة القصوى؟ سبق وأن كتب وحاضر مثقفون عرب-ومنهم فلسطينيون- بأنهم لن يدخلوا فلسطين ما دامت تحت الاحتلال، لأنهم لا يريدون ختم جوازات سفرهم على الحدود بخاتم اسرائيلي كما يفعل الفلسطينيون المقيمون على تراب فلسطين، فهل تناسى هؤلاء بأن فلسطين محتلة، وأن الفلسطينيين الذين يعضون على تراب وطنهم ضحايا لهذا الاحتلال؟ وأن لا بديل لهم من الخروج عبر المعابر الحدودية التي تسيطر عليها اسرائيل؟ وهل يتذكر “هؤلاء المنظرون” بأنه قد مضى على احتلال الضفة الغربية بجوهرتها القدس، وقطاع غزة ما يقارب 45 عاما؟ وهل يعلمون بأن أكثر من اربعة ملايين ونصف المليون فلسطيني يعيشون في هذه الأراضي؟ سقط منهم آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى الى درجة الإعاقة الجسدية، وأن أكثر من ثمانمائة ألف منهم قد تعرضوا للإعتقال والتعذيب والأسر لفترات متفاوتة؟
وهل الدفاع عن الحقوق أمام مغتصبها جريمة”تطبيعية” أم بطولة؟ وهل استقطاب مناصري حقوقنا في التحرر والاستقلال من الطرف الآخر أمر مطلوب أم خيانة؟ وللتذكير فقط فقد التقى عام 1986 كتاب وفنانون وأكاديميون فلسطينيون مع نظراء لهم اسرائيليين، ووقعوا على مسودة اتفاقية سلام تنص على انسحاب المحتلين من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 بالكامل، واقامة دولة فلسطينة عاصمتها القدس، وايجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين كما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية، فهل استطاعت أي دولة عربية أو جهة سياسية الوصول الى هكذا اتفاقية؟ وهل استقطاب الاسرائيليين الذين وقعوا عليها ومن هم على شاكلتهم يصب في مصلحة القضية الفلسطينية أم “تطبيع” يصب في خانة الخيانة لها؟
وهل هناك خوف على مفكر بحجم الدكتور سري نسيبة أن يقع في فخ التطبيع؟ فهل نتـقي الله في أنفسنا وفي قضيتنا وفي حقوق شعبنا؟ أم أننا مضبوعون على رأي حكمتنا الشعبية المبنية على خرافة تقول”بأن الضبع يضبع ضحيته البشرية فتنقاد خلفه الى جحره كي يفترسها، ولا تفيق لنفسها إلا بعد أن يصطدم رأسها بسقف جحر الضبع، فتسيل دماؤها وعندها تفيق….لكن دماءنا سالت بغزارة فهل نتعظ؟ أم أننا سنبقى مضبوعين الى ما لا نهاية؟
21-12-2011