القدس:5-3-2020- احتفلت ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعيّة في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس بدخول عامها الثلاثين من عمرها المديد. ممّا يذكر أنّ الندوة انطلقت في بداية شهر آذار-مارس- 1991، وهي ندوة ثقافية مفتوحة للجميع.
افتتحت الإحتفال مديرة النّدوة ديمة جمعة السّمّان فقالت:
في شهر آذار ولدت ندوة اليوم السابع.. شهر الابداع والمبادرات وتتجدد الأفكار.
تضيء ندوتنا شمعتها الثلاثين هذا العام بكل تألق وتجدد
ما سرّ علاقة شهر آذار بالحياة وتجددها؟ سؤال سألته لنفسي مرارا، هل لأنه الشّهر الذي يختصر جميع شهور السنة بكل ما يحوي من تنوع وتجدد؟ فيلبي حاجات الجميع؟ هل لأن فيه يتساوى الليل بالنهار، فتتوازن فيه الحياة ويشعر المرء بالراحة والسّلام؟
في آذار تتجدّد الحياة، فيه يتفتح الورد “زرار زرار”، وهو أيضا أبو الزلازل والأمطار، و”آذار أوله صقعة وآخره نار، وبيدفّي الراّعي من غير نار”. كلّها أقوال سمعناها من أجدادنا الأوائل، الذين شعروا بمدى تأثيره على طاقة الإنسان وتوازنه، وهو مصدر غني للإيحاءات وبث الأمل والتغيير؛ لتستمر الحياة. يحمل معاني التضحية والإباء والكرامة، هو شهر الربيع الجميل، وشهر الأمّ التي تعطي ربيع عمرها لأبنائها.
فيه تتوازن الحياة وتتدفق الأفكار، وتنطلق المبادرات الخلاقة.
فيه قبل 29 عاما ( في آذار 1991) انطلقت فكرة ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية المقدسية، بمبادرة من خمسة أدباء: جميل السّلحوت وإبراهيم جوهر وديمة السمان ونبيل الجولاني وربحي الشويكي، وبدعوة من جميل السّلحوت عقد اللقاء الأول في مركز القدس للموسيقى لصاحبه الفنان مصطفى الكرد، الذي كان يشنّف آذاننا بأجمل الألحان تنطلق من أوتار عوده في نهاية كل لقاء.
ولدت النّدوة تحمل أهدافا سامية، وجمعت أدباء فلسطين في مساء كل خميس من شمالها إلى جنوبها، الكل سعيد بما تطرح من نقاشات بمستوى رقيّ أهدافها التي تسعى إلى تفعيل الحراك الثقافي بألوانه المختلفة في وطن أحوج إلى ما يكون للأبداع والتميز.
فيها تم اكتشاف المواهب للكبار والصغار، فيها تم بر الغثّ من السّمين.
دامت ندوتنا الثقافية التي وثّقت معظم ما ناقشت من كتب في لقاءاتها في 23 إصدارا طيلة ال 29 عاما الماضية.
في آذار الجاري يضيء المثقفون والأدباء شمعة ندوتنا الثلاثين. العمر المديد لأقدم ندوة ليس فقط على المستوى العالم العربي، بل على مستوى العالم أجمع.
دامت ندوتنا بروادها المبدعين.
وقال جميل السلحوت:
بداية شهر آذار 2020 تدخل ندوة اليوم السّابع الثقافية الأسبوعية الدورية عامها الثلاثين، وقد أصبحت معلما ثقافيّا فلسطينيّا، ويتساءل كثيرون عن بدايات ونشوء واستمراريّة هذه النّدوة، التي تعقد جلساتها في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس مساء كلّ خميس منذ آذار 1991 وحتى الآن. خصوصا وأنّ هناك من يدّعون الرّيادة في هذه النّدوة، فكان لا بدّ من التّعريف بها، وتسجيل شيء من تاريخها.
في شهر آذار 1991 وبمبادرة من جميل السلحوت التقى كلّ من: جميل السلحوت، ديمة جمعة السمان، ابراهيم جوهر، ربحي الشويكي ونبيل الجولاني، ودعوا عشرات الكتّاب والمثقّفين الفلسطينيّين لعقد ندوة ثقافيّة دوريّة أسبوعية أسموها “ندوة الخميس” في مركز القدس للموسيقى في القدس الشّريف، يتحاورون ويتبادلون في الشّأن الثّقافيّ المحليّ والعربيّ والعالميّ، ثمّ انتقلت من يوم الخميس إلى يوم السّبت كي لا تتعارض مع ندوة يعقدها اتحاد الكتّاب في الوقت نفسه، فحملت النّدوة المقدسيّة اسم “ندوة اليوم السّابع”، وعندما توقّفت ندوة اتحاد الكتّاب عادت الندوة إلى مساء الخميس، واحتفظت باسمها ولا تزال “ندوة اليوم السابع”، وبعد حوالي عامين انتقلت إلى المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ، ولا تزال النّدوة مستمرّة حتّى يومنا هذا.
أهداف الندوة:
– الحفاظ على الهويّة الوطنيّة والثّقافيّة في القدس.
– عقد ندوات ولقاءات لفضح ممارسات الاحتلال وسياساته التهويديّة للمدينة.
– جمع وتدوين التّراث الشّعبيّ الفلسطينيّ في القدس.
– عمل دراسات وأبحاث عن الأبنية التّاريخيّة والمساجد والكنائس والأديرة والزّوايا والتّكايا والمقابر التّاريخيّة في القدس.
– عمل دراسات وأبحاث عن العائلات المقدسيّة العريقة، وحياة”التّمدّن” في المدينة كنموذج للحياة المدينيّة في فلسطين.
– عمل دراسات وأبحاث عن الشّخصيّات المقدسيّة والفلسطينيّة والعربيّة والاسلاميّة التي كان لها دور في القدس.
– طباعة النّتاجات الأدبيّة والثّقافيّة والأبحاث لمبدعي القدس.
– تواصل المثقّفين والكتّاب الفلسطينيّين مع بقيّة زملائهم في الدّاخل الفلسطينيّ وبقيّة أجزاء الضّفّة الغربيّة.
وكبداية-ضمن الامكانيّات المتاحة-استقرّ رأيهم أن يناقشوا كتابا يختارونه، وأن يحدّدوا موعدا لمناقشته، وتعطى الأولويّة في الحديث لمن كتب عن الكتاب، ثم يجري نقاش عام يشارك فيه من يريد من الحضور، واشتراط الكتابة هنا من أجل تشجيع الحركة النّقدية ومحاولة تفعيلها، ومن أجل النّشر والتّوثيق في الصّحافة المحليّة والعربيّة والألكترونيّة.
وقد صدر عن النّدوة حتّى الآن ثلاثة وعشرون كتابا توثيقيّا لما يجري فيها وهي:(يبوس)و(ايلياء)، (قراءات في نماذج لأدب الاطفال)، (في أدب الطفل)، (الحصاد الماتع لندوة اليوم السّابع)، (أدب السّجون)، (أبو الفنون)، (حارسة نارنا المقدّسة)، (بيارق الكلام لمدينة السّلام)، (من نوافذ الابداع)، (نور الغسق)، “مدينة الوديان”، “مرايا الأقلام في مدينة السّلام”، “العشق المسموح في مدينة الرّوح”، “أقلام ترسم الطريق”، “حياة أخرى هناك”، اليوبيل الفضي لندوة اليوم السابع، “بساتين الحياة”، عصرون وبوّابة السماء.
وتتعدّى فعاليات وجلسات النّدوة قراءة الكتب إلى حضور المسرحيّات التّي تعرض في المسرح الوطنيّ، ومناقشتها مع المخرج والممثّلين والكتابة عنها، وكذلك بالنّسبة للأفلام السّينمائيّة الوثائقيّة.
وإذا كان أحد أهداف النّدوة هو تجميع الكتّاب والمثقّفين المقدسيّين من أجل النّهوض بالثّقافة العربيّة في القدس، فإنّ حضور النّدوة حتى نهاية آذار 1993 أيّ بداية إغلاق القدس ومحاصرتها وعزلها عن محيطها الفلسطينيّ وامتدادها العربيّ، لم يقتصر على المقدسيّيين فقط، حيث كان يحضرها أدباء ومثقّفون من بقيّة أجزاء الضّفّة الغربيّة أمثال الشّاعرة الكبيرة المرحومة فدوى طوقان، والشّاعر الدّكتور المرحوم عبد اللطيف عقل، والرّوائي المرحوم عزّت الغزّاوي، والشّاعر المرحوم عبد القادر العزّة، والدّكتور محمود العطشان، والدّكتور المرحوم عيسى أبو شمسية، والرّوائي احمد رفيق عوض، والشّاعر المتوكّل طه ، والدّكتور ابراهيم العلم وآخرون. وذات ندوة حضرها الأديب خالد جمعة والشّاعر عثمان حسين من قطاع غزة، والشّاعر باسم النّبريص أيضا.
كما أنّ عددا من المبدعين الفلسطينيّين في الدّاخل الفلسطينيّ حضروا النّدوة، وتمّت نقاشات بعض نتاجاتهم الابداعيّة ومنهم:الشّاعر القاصّ المرحوم طه محمد علي، الأديب سلمان ناطور، مفيد مهنا، رياض مصاروة،راجي بطحيش، رجاء بكرية، عرين مصاروة، أنوار سرحان، مرمر القاسم، نزيه حسّون، كاملة بدارنة، وفاء عيّاشي، سوسن غطاس، وعناق مواسي، بل إنّ الأديبة الشّابة نسب أديب حسين ابنة الرّامة الجليليّة تواظب على حضور النّدوة منذ حوالي ثماني سنوات.
ومن أهداف النّدوة أيضا هو الأخذ بأيدي المواهب الإبداعيّة الشّبابيّة، حيث يستمع الحضور لإبداعاتهم ويقيّمونها ويوجّهون أصحابها نحو الرّقيّ الابداعيّ .
ومن اللافت للانتباه أنّ النّدوة قد تمأسست، وتكاد تكون النّدوة الثّقافيّة المُمأسسة الوحيدة على السّاحة الفلسطينيّة، بل على السّاحة العربيّة، وهي النّشاط الثّقافي الأبرز في القدس، حيث أنّها مستمرة منذ آذار – مارس- العام 1991 بشكل أسبوعيّ دوريّ دون انقطاع، ويحرص الكتّاب والمثقّفون المقدسيّون الفلسطينيّون على حضورها بدافع ذاتيّ، لإيمانهم بأنّ كلّ فرد فيها سيستفيد بتنمية قدراته الثّقافيّة والإبداعيّة، حتّى أنّ البعض يترك عمله من أجل حضور النّدوة.
ويكفي النّدوة فخرا أنّها تقوم بالتّعريف على الكثير من النّتاجات الثّقافيّة المحليّة والعربيّة فور صدورها، وكثير من المخرجين المسرحيّين يعرضون (بروفاتهم) الأخيرة أمام روّاد النّدوة، ويستمعون إلى ملاحظاتهم وانتقاداتهم قبل أن يعرضوها أمام الجمهور، وقد صدر عن النّدوة كتاب تسجيليّ توثيقي بذلك تحت اسم “أبو الفنون”.
وكثير من الكتّاب والأدباء المقدسيذين يعرضون إبداعاتهم على عدد من روّاد النّدوة؛ ليعطوا ملاحظاتهم عليها قبل نشرها، ويعدّلون ويصحّحون ابداعاتهم بناء على ذلك، وسبق للنّدوة أن ناقشت عشرات كتب الأطفال المحليّة والمترجمة عن الأدب الاسكندنافي، والتي وزّعتها مؤسّسة دياكونيّا السّويديّة على تلاميذ المدارس في فلسطين وبعض الدّول العربيّة.
والنّدوة تعنى بمواهب الشّباب الابداعيّة، فتأخذ بأيديهم وتوجههم، وتستمع لهم من أجل صقل مواهبهم وتنمية ابداعاتهم. وقد انطلق من النّدوة “دواة على السور” وهي نشاط ثقافيّ شبابيّ بادرت به رائدتا النّدوة نسب أديب حسين، ومروة السّيوري.
ونظرا لاستمراريّة النّدوة ومواظبتها وجدّيّتها، فقد أصبحت قراءاتها واصداراتها المنشورة في العديد من الصّحف والمواقع الألكترونيّة المتخصصّة، مرجعا للطّلبة والدّارسين في الكثير من الجامعات المحليّة والعربيّة.
دواة على السّور:
وقد انبثق عن النّدوة نشاط ثقافيّ شبابيّ شهريّ هو: دواة على السور، أسّسته عام 2011 الشابتان المبدعتان نسب أديب حسين ومروة السيوري، وتعقد نشاطاتها شهريّا في أماكن مختلفة في القدس وغيرها من الأراضي الفلسطينيّة، حيث يجري تجميع المواهب الشّابة في مختلف مجالات الابداع، والاستماع إليهم وتوجيههم، والأخذ بأيديهم.
تاريخ:
ومن ذكرياتي عن ندوة اليوم السّابع حرص الشّاعرة الكبيرة فدوى طوقان على حضور النّدوة بشكل شبه مستمرّ، كانت تأتي غالبا بصحبة الشّاعر المرحوم عبد القادر العزّة، الذي كان يستضيفها في بيته في بير نبالا شمال القدس، وقد حدّثتنا عن لقائها بزعيم الأمّة الرّاحل جمال عبد النّاصر، وكيف قال لها بأنّه عرض عليه الانسحاب من سيناء مقابل انهاء حالة الحرب مع اسرائيل، وأنّه أجاب:
أوجاع الشّعب الفلسطينيّ في الأراضي المحتلّة أكثر أهمّيّة عندي من رمال سيناء.
كما عزفت لنا ذات أمسية على العود بعد الحاح منّا عليها، عندما علمنا منها أنّها تجيد العزف على العود، لكنّها –كما قالت- لم تمسك العود بيديها بعد حرب حزيران 1967، ووقوع ما تبقى من فلسطين تحت الاحتلال.
وفي النّدوة تشجّعت بعض الأقلام على نشر نتاجها الأدبيّ، بعد أن شاركوا في النّدوة، واستمعوا إلى نصائح بعض روّادها، ومن هؤلاء المرحوم الشّاعر عبد القادر العزّة، الكاتب سمير الجندي صاحب دار الجندي للنّشر والتّوزيع في القدس، مروة السّيوري، الشّاعر بكر زواهرة، الرّوائي عيسى القواسمي، الرّوائي عبدالله دعيس، الشّاعر رفعت زيتون، نعيم عليّان، رائدة أبو الصويّ، وغيرهم.
وخصّصت الندوة العام 2005 جلساتها لأدب الأطفال، وركّزت في نقاشاتها على أدب الأطفال الاسكندنافي المترجم إلى اللغة العربيّة، والصّادر عن دار المنى في ستوكهولم، والذي وزّعته مؤسّسة دياكونيّا السويدية في الأراضي الفلسطينية والدّول العربيّة، وصدرت النّقاشات في كتاب تسجيليّ “في أدب الأطفال” وتمّت ترجمته إلى اللغة السويديّة.
وفي صيف العام 2011 زارت السّيّدة منى زريقات هيننج، وكاتب أدب الأطفال السّويديّ أولف ستارك النّدوة، واجتمعا مع عدد من أعضاء النّدوة، حيث شرحوا لهم عن الأوضاع في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، خصوصا جدار التّوسّع الاسرائيلي، وما يسبّبه من معاناة للشّعب الفلسطينيّ، وعن تاريخ ندوة اليوم السّابع، وقد أشاد السّيّد ستارك بالنّدوة ووصفها بأنّها النّدوة الأسبوعيّة الممؤسسة والمستمرة في العالم جميعه، وعندما عاد إلى بلاده كتب بناء على تلك الزّيارة قصّة الأطفال”الصّبيّ والصّبيّة والجدار” والتي صدرت في نفس العام باللغتين العربية والسويديّة مزيّنة برسومات أنّا هيجلند عن دار المنى في ستوكهولم.
وكتب محمد موسى عويسات:
ثلاثون شمعة وثلاثون زهرة لندوة اليوم السابع….
قال الأستاذ: اكتبوا في الذّكرى شمعة ودمعة… فهمت المحذوف… ثلاثين شمعة بثلاثين دمعة…. الشّمعة تقليد… طقوس تخصّ المكان… حيث ولدت الفكرة… ونمتْ وسمتْ وأينعت… وبلغت من عمرها ثلاثين… أَعُدّها في أسارير وجهه… على كاهل بدأ الظّهر ينوء به ولكنّه يحمله… احدودب بمقدار الثّلاثين… وبقيت أبحث عن الدّمعة، ما الذي استدعاها؟ أمَرّ السّنين بأرصفة تتشبّث بالفجر ونسائم الأصيل؟… أخيال كاتب… في لحظة الفرح بالثّلاثين… في لحظة حزن بأنين السّنين الذي يثقل الأسوار والقباب… والأزقة… والعقبات… والأربطة… والأبواب المنتشرة… المرصودة بأعين مصطنعة… لا تعرف الدّموع… تضيق على أهلها… لا يقال لهم اعبروا من أيّها شئتم؟
ربّما استدعتها الشّموع… وللشّموع دموع تختلف وتأتلف… تبكي الشّموع لتضيء سطرا لكاتب أو شاعر… ولكنّ دموعها سرعان ما تجفّ… ليبقى الضّوء يسكن المكان… يتلألأ في يوم دجن… في لحظة دخن… في ليلة بلا قمر… إذن هي شمعة ودمعة… ثلاثون وثلاثون… لا تغرق في التّأويل… لا تفسد المقصود… إنّها لحظة فخر… أن يضاف إلى القباب قبّة… إلى الأربطة رباطا… إلى السّور مدماكا… إلى صوت القلم يجول على صفحة المدينة صوتا آخر… قلت اجعلوا مع الشّمعة والدّمعة زهرة… فالفصل ربيع… وكلّ مزروع على موعد مع تفتّق الأزاهير… إنّه تنادٍ للاحتفاء… كانت خطوة بإيقاد شمعة… كانت قبسا وجذوة… لعنوا بها الظّلام… طاردوا الظّلام ثلاثين… توضأت بهم المدينة… لتصلّي في محاريب الثّقافة التي كادت أن تُهجر أو تهاجر… الأبواب مشرعة والأمل يعبر دونما تفتيش… الكلمة تعلو الأبواب… ترتسم كيفما تشاء… تتشكّل كالقمر… الربيع قادم… الكلمة لا تنمحي… الطريق إلى الصّدر المكنون بالدّفء شريان لا يفتر نبضه… كنت يوما هناك أتجاوز الجدار الذي يحاول أن يخنق المدينة لولا ذاك السّور المتين الذي يحرس كلّ الأرجاء خارجه… مرّة آتيه من الشّرق فما أن أبلغ قمّة الطّور حتى أكون في تجلّيا واستجلاء… وكأنّ مناديا ينادي: أن اخلع نعليك فأنت في طور سنين… ومرّة من جنوبها فما أن أعتلي القمّة الشماء، حيث يطيب التّكبير للفتح الأعظم… حتى أدلّ المكان بسحابة تظلّ الأسوار… بها أعرف أنّ ذاك النّادي في منتهى شارع الفتح الصّلاحيّ… وإن كنت دخلت يوما من الشّمال شمال أمّ المدائن، شمالها الدّمشقيّ، فقد أسلمتني الطّريق إلى الباب… حيث زاوية الجرّاح… حيث يبدأ الشارع الصّلاحيّ… كلّ الطّرق تؤدّي إلى قلب المدينة… إلى حيث مربد القدس… حيث يتحلّق أهل الفنّ والأدب… يرسمون الوجه الجميل مرّة أخرى… لا يملّون من نفض الغبار الذي تحمله عواصف الرّمال الخانقة… حملت التّحية في إكبار لهؤلاء الذين أرى في وجوههم الإصرار على الوصول… ثلاثتهم قامات الأدب القُدسيّة… تجاوزتُ بها الحواجز… لم يعرف الجنود في الحاجز أنّي أحمل في داخليّ حبّا للمدينة… كلّ المدينة… وأنّي أزجي الاحترام والتّقدير والتّهنئة… لهؤلاء الثّلاثة… وللرّواد والمريدين… فسقطت كلّ ماكنات الفحص وإجراءات التّفتيش… وعبرت الكلمة… وعاش الوجه الأصيل.
وكتب عبدالله دعيس:
شموع ودموع
هلّ شهر آذار… سنضيء شمعة جديدة لندوة اليوم السابع… الشمعة الثلاثون. تذكرت شمعات ميلادي؛ عدت إلى دفاتر الصور القديمة، تزداد الشمعات كلّ عام، ومع كلّ شمعة تحترق، يحترق عام من عمرنا، تذبل العيون، يصطبغ الشعر بالبياض، يترهل الجلد، ربما نزداد حكمة، وربما لا… تذبل ورودنا مع دمعات الشمعات، وربما تذبل أحلامنا! تلك الأحلام التي كانت كبيرة، تصغر يوما بعد يوم، بات الواقع أكثر وضوحا، وأكثر إيلاما، ربما لم يعد هناك متّسع لشمعات جديدة… سالت دموع الشموع الماضية، غطّت الحلوى… لا مكان للسكّين؛ لتقطع شمعة جديدة… دمعات جديدة وآلام جديدة.
لكن، هل للأرض يوم ميلاد؟ هل للمدينة يوم ميلاد؟ لماذا لا نحتفي بمولد القدس، في شهر آذار؟ وهل ولدت فعلا في شهر آذار؟ يحمل آذار كثيرا من الذكريات، لكن هل فيه ولدت المدينة؟ وهل تشيخ المدينة كما نشيخ نحن؟ أم أنّ الدموع تروي ترابها لينبت شبابها من جديد؟ بما أنّ يوم ميلادي في آذار، وميلاد الندوة في آذار، سأعتبر أن مدينتنا ولدت فيه، أليست أمطاره تبشّر بالرّبيع؟ أوليست القدس ربيع الأمّة الذي لا يذبل؟
ذهبت أبحث عن شموع تليق بها، جمعت كلّ الشموع في أسواقها التي تقود إلى القيامة، وضعتها كومة واحدة، وبدأت بعدّها… قليلة هذه الشموع… لا يمكن أن تضيء سماء المدينة، تذرف دموعها بسرعة، ستفسد حلوى المدينة، لا بدّ من شمعة أخرى، شمعة واحدة تكفي، من ذا سيضيء سبعة آلاف شمعة لميلاد ميدنتنا؟ شمعة نبتت من تربتها، شمعة ارتوت من زيت زيتونها، أشعلت الشمعة، أضاءت سماء المدينة، أضاءت سماء فلسطين، شمس أشرقت في حلكة الليل، ذرفت الشمعة دمعة، تلقّتها الأرض فنبتت شمعة جديدة، ذرفت دمعة، ونبتت شمعة أخرى، سبعة آلاف شمعة نبتت وأضاءت فضاء الأرض، أشرقت سماء الحريّة، يا لهذه الفتاة! تزداد شبابا كلّما أطفأت شمعة من عمرها! يمتدّ عمرها كلّما مرّ بها عام؟، تتزيّن كلّما قهرت عدوا، وما أكثر ما قهرت من أعداء! ستضيء شمعة بعد شمعة، وستذرف الشمعات دموعها، ستصلي عروق الغزاة، وستنبت عمرا جديدا للعروس.
انطفأت ثلاث وخمسون شمعة، كاد فتيل عمري يحترق، أشعلنا الشمعة الثلاثين لندوة اليوم السابع، ونظرت إلى سماء القدس وقد اتّقدت بالنّور.
وبهذه المناسبة كتب الدكتور عزالدين أبو ميزر هذه القصيدة:
قصيدتي هديّتي إلى نَدوَةُ اليَومِ السّابِع….
قِفْ؛ فِي دَوْحَةِ نَدوَتِنَا
وَانْعَمْ بِالدِّفْءِ وَبِالظِّلِّ
وَتَنَفَّسْ عَبَقَ أَزَاهِرِهَا
رَيْحَانَ الوَردِ مَعَ الفُلِّ
وَاشْرَبْ مِنْ عَذْبِ جَدَاوِلِهَا
رَقْرَاقَ المَاءِ عَلَى مَهْلِ
شَمْعَاتُ الحُبِّ ثَلَاثِينٌ
فٍي خِصبِ العُمْرِ وَفِي المَحْلِ
لَمْ نُطفِىءْ وَاحِدَةً إِلَّا
بِسَوَادِ العَيْنِ وَبِالْكُحلِ
نَزَفَتْنَا القُدسُ فَمَا أَبْقَت
مِن دَمْعٍ فِي جَوْفِ المْقَلِ
إذْ كَيْفَ يَجِيءُ الفَرَحُ إلَى
قَلْبٍ فِي وَطَنٍ مُحتَلِّ
لَم يَبْقَ لَنَا إِلَّا دًمُنَا
مَا زَالَ بِتَصمِيمٍ يَغلِي
وَيُقَاوِمُ لَا يَألُو حَتَّى
يَندَحِرَ الغَاصِبُ وَيُوَلِّي
وَسَوَاعِدُ مَا كَلَّتْ أَبَدًا
أَوْ بَخِلَت يَوْمًا بِالبَذلِ
وَثَوَابِتُ قَد آتَت أُكُلًا
يَزهُو بِالفَخْرِ وَبِالنُّبلِ
أنْوَاطُ ثَقَافَتِهَا مُدَّت
لِلكُلِّ بِصِدقٍ وَبِعَدلِ
وَمَضَت بِاللهِ لَهَا ثِقَةٌ
بِالظَنِّ الحَسَنِ وَبِالفَأْلِ
وَعُقُولٍ مَا انْغَلَقَت أَبَدًا
تَتَحَصَّنُ بِالقَوْلِ الفَصلِ
وَقُلوبٍ يَمْلَؤُهَا حُبٌّ
تَخلُو مِن حِقدٍ أَوْ غِلِّ
وَنُفُوسٍ تَأبَى عِفَّتُهَا
أَنْ تَدفَعَ شَرًّا بِالمِثْلِ
تَحتَضِنُ الكُلَّ فَلَا فَرقٌ
بِالكُلِّ دَعَائِمَهَا تُعلِي
فَالصَّخرَةُ قَد تَدعَمُ جَبَلًا
إٍنْ صَدَقَ القَوْلُ مَعَ الفِعلِ
مَا انْبَطَحَت يَوْمًا أَوْ سَحَجَت
أَوْ حَابَت أًصحَابَ الطَّوْلِ
أَوْ وَصَلَت لِلقِمَّةِ صُعُدًا
بِتَسَلُّقِ أَدرَاجِ الذُّلِّ
وَسِوَاهَا بَاعَ كَرَامَتَهُ
فَهَوَى فِي الطِّينِ وَفِي الوَحلِ
وَيُعَافِسُ فِيهِ بِلَا أَمَلٍ
يَتَمَنًّى شَيئًا مِن فَضلٍ ثِقَتُنَا فِيكِ هَدِيَّتُنَا
صَوْتًا لِلْحَقِّ بِهِ نُدلِي
وقبل عامين كتب الدكتور عزالدين أبو ميزر
ندوة اليوم السابع…. في عيدها السابع والعشرين
بوركتِ صَرحًا لِلعُلا وَمَنَارَا
وَمَثَارَ فَخرٍ يُبهِرُ الأنظَارَا
وَمَحَطّ آمَالٍ لِمَن يَرجُو العُلَى
وَقذَىً بِعَينِ الحَاسِدينَ وَنَارَا
وُلِدَت عَلَى طُهرٍ وأصبحَ طُهرُها
مَثَلاً على طُولِ المَدَى سَيّارَا
وَغَدَا لِكُلّ العَامٍلينَ كَرَامَةً
بِعُرُوقِهِم تَجرِي دَمًا فَوَّارَا
وَنَمَت بِجُهدِ المُخلِصِينً وَصَبرِهِم
شَقُّوا العُبَابَ وَغَالَبُوا التَّيَّارًا
لَوْلَاهُمُ لَم تَرتَفِع رَايَاتُهَا
وَتُطَاوِلَ الأَفلَاكَ وَالأَقمَارَا
وَتبُزُّ أقرَانًا تُذِرُّ بِقَرنِهَا
لَو لَم تَكُن بِهِمُ النُّفُوسُ كِبَارَا
الحَامِلينً القُدسَ فَوقً رُؤُوسِهِم
شَرَفًاً وَيَحمِلُ غَيرُهُم أَوزَارَا
القَابِضِينَ الجَمرَ فَوقَ تُرابِهَا
مَا استَبدَلُوا بِتُرَابِهَا الدُّولَارَا
الحُبُّ يَملَأُهُم وَيَحدُو خَطوَهُم
أَمَلٌ يَزِيدُ العَزمَ وَالإِصرَارَا
سِتٌّ وَعِشرُونَ انقَضَتْ بِتَمَامِهَا
رَغمَ الصِّعَابِ النَّاضِحَاتِ مَرَارَا
والمُثقَلَاتِ بِالاحتِلَالِ يَكِيلُهَا
قَرَفًا يُنَغِّصُ عَيشَهَا وَحِصَارَا
فَعَلَيْكِ مِنَّي اليَومَ أَلفُ تَحِيَّةٍ
وَيَقِيكِ رَبِّي الشَرَّ وَالأَشرَارَا
وَنَكُونُ نَحنُ جَمِيعُنَا دِرعًا لَهَا
وَإِلَى النِّهَايَةٍ نُكمِلُ المِشوَارَا
وكتبت رائدة أبو الصوي:
ديمة السمان… جميل السلحوت…ابراهيم جوهر… نبيل الجولاني…ربحي الشويكي، مع حفظ الألقاب.
من صميم قلوبنا نحن رواد ندوة اليوم السابع الأسبوعية في عيدها ال 30 نشكركم وننثر الزهر والفل والياسمين على دروبكم. فكرة إنشاء الندوة فكرة رائدة رائعة مشرفة.ا لفكرة أصبحت حياة، نبضت بالروح والعطاء بسخاء.
على مرّ السنوات استطعتم أن تحافظوا على السيادة الثقافية والأدبية، تعملون بصمت وأعمالكم تتحدث عنكم.
من قال أن الثقافة ليست رافعة للأمة؟ من قال أن إشعال شمعة في الظلام لا ينير الدروب ويساهم في تقدم الشعوب؟
لو لم تكن ندوة اليوم السابع حاضرة في القدس لأصيب نهر الفكر والمنطق بالقحط، ولقرعت الأجراس بلا أصوات. ولذهبت المواهب الأدبية هباء .
علاقة الرواد مع مؤسسي الندوة من أجمل العلاقات وأرقاها. عائلة ثانية لكل واحد من الرواد، أصبحت الندوة شلالا متدفقا بالماء الزلال .
نتحاور ونتناقش بروح رياضية .
في عيدك الثلاثين فرحتنا كبيرة، ولنكمل المسيرة.
وكتبت دولت الجنيدي:
ثلاثون شمعة لثلاثين سنة أنارت الدرب ومهدت الطّريق وتخطّت الصّعاب ؛ لتصل ندوة أليوم السابع المقدسية الى ما وصلت اليه، ولتصبح منارة للثّقافة والأدب وموردا للمثقّفين من هذا الجيل ومن جميع الأعمار .
تأسّست النّدوة بسواعد العظام، ديمة جمعة السّمان، جميل السلحوت، إبراهيم جوهر، نبيل الجولاني وربحي الشويكي .
مرت الندوة بمنعطفات صعبة، ورغم ذلك استمرّت وازدهرت برعاية وتوجيه وصبر ومثابرة أدبائنا الكبار ديمة السّمّان، جميل السّلحوت وإبراهيم جوهر؛ ومداومة أعضاء النّدوة وروادها على الحضور أسبوعيّا حيث يحرص الجميع على احتضان وتوجيه ورعاية الكتّاب الجدد، ومناقشة نتاجهم الأدبي، والأخذ بأيديهم حتى ينطلقوا ليسيروا في ركب الكتّاب والأدباء الكبار.
شكرا لمؤسّسي النّدوة ، وشكرا للقائمين عليها وشكرا لروّادها وكل عام والجميع بألف خير .
عاشت ندوة اليوم السّابع المقدسيّة معلما ثقافيّا رائدا.
وكتبت إسراء عبوشي:
ثلاثون شمعة وثلاثون دمعة تنير فضاءات القدس،
تسطع مع ابتداء الغروب، تبدد العتمة، ثلاثون زهرة في جذب الدروب، ثلاثون لحظة باقية تجفف الحزن على شرفات العيون المشرعة للنصر.
ثلاثون عاما عمر الندوة، وسبعة آلاف عام عمر القدس بين ميلاد وموت، رحلة سماوية تحرس دماء الشهداء.
في عيون الندوة نظرة حانية تجوب مسالك المستحيل، وترسم الغد بحروف من نور، وثلاثون سربا من الطيور تحلق فوق قباب الطهر، وتكسر حصار الكلمة وتتوج المفردات برزانة النقد ، وتعالج بمشرط جراح الحكايات، يجتمع الرواد قامات باسقة تضيف للمدينة معلم آخر، معلم شموخ وعز ،وتبني غد ثقافي منير.
ليس غريبا أن تولد الندوة في آذار، ويحل الربيع في آذار ،وتكون أطول سلسة للقراءة حول أسوار القدس في آذار، آذار عرس المدينة ، والندوة باكورة آذار.
غرست الندوة لا الزهور بل ثوابت الفلسطيني المقدسي بثقافته المتميزة المثقف والأديب، الذي حضن ثقافة وأدب كل فلسطين، وفتح أبواب ندوته لمدى فسيح من الإبداع ، لتصبح الندوة قلب الحركة الأدبية النابض، ويجري دمها في فكر كل متعطش لمنابع الأدب والثقافة.
تمنيت أن أكون حاضرة بين رواد الندوة واقدم باقة من الورد تعكس كم زهرة تفتحت في قلبي على يد روادها، ذهبت لأقدم تصريح دخول للقدس، لاكتشف أنني المحاصرة وليست القدس، فما الحياة دون القدس إلا سجن كبير ، وما الهواء الذي استنشقه بلا رياض القدس إلا اختناق بطيء، لتستمر الندوة لأجلنا لأجل من أغلقت دونهم الأسوار ، لنرى في حلقتهم الدائرية هلال أمانينا المقدسة، وليكتمل نور السماء وليبدأ آذار ويبدأ النهار من غسق كلً خميس، وليبدأ الأسبوع من آخر أيامه.
وكتب صهيب سيف الدين:
رغم أنني من المحبين للكتابة منذ زمن طويل إلا أنني أيضاً من المتابعين الجدد لندوة اليوم السابع،وسوف ألقي إثم تكاسلي بمتابعتها من قبل على الغربة والعمل ومشاغل الحياة بشكل عام، إكتشافي للندوة كان رائعاً وجميل جداً؛ هذه البوتقة المتفردة التي تنصهر فيها العاطفة مع الشعور مع التاريخ والأرث. هذه الندوة عبارة عن وقفة صمود و عامود من أعمدة الهوية المقدسية والفلسطينية، أريد أن أقول لكم: إقصفوا ولا ترحموا؛ فقنابلهم تقتل وقنابل أقلامك تحيي.
وبما أنه اليوم الاول من آذار؛ توقعوا أيها الأساتذة والكتاب الكرام أن يستعين الربيع بكلماتكم؛ ليكثف من فاعلية عطره. فقد غير لون وشكل وطعم الأشياء ورحل بها من اللاحياة إلى الحياة.
كن أيها الفلسطيني كما كنت دوما المساند الرسمي والداعم الحقيقي لهذا الكائن اللطيف الدافئ كحضن أمّ. هذا المخلوق النوراني الذي يسمى أمل. هذا الذي يزورنا في عقر عتمتنا في أوج إنطفائنا، فيربت على أكتافنا بأيدي من حنان فيجعلنا نشرق، يحولنا من كومة رماد على الأرض إلى نجم في السماء مع كل يوم يزداد جمالا وضياء.
وكتبت هيا سيد أحمد:
في آذار فصل الربيع والمطر والحب شهر المناسبات الجميلة، قرّر مجموعة من الأدباء أن يلتقوا ليتناقشوا الأدب، فاستمرت الندوة وها هو عامها الثلاثون، أعوام عديدة من الأمل واللغة والإبداع.
أنا ابنة هذه الندوة ويشرفني ذلك، كنت أتغيّب أحيانا رغما عنّي، لكن كلما سنحت لي الفرصة كنت أحضر وأشارك. وأستمع لهم وأتعلم منهم.
ولدتُ في آذار وولدت الندوة أيضا. الندوة تكبرني بالطبع، وهذا ليس غريبا فأنا ابنتها.
الندوة تناقش الأدب المحلي وتتيح الفرص لمناقشة إبداعات عربية.
ها نحن نكتب ونبدع رغم كل شي وبكل يوم ولد كاتب جديد.
ثلاثون عاما وهي تشهد على أدبائها، ثلاثون عاما من اللغة، اللقاء، الخير، الأمل، والعطاء، كنا وسنبقى نجتمع في بيتنا الآخر المسرح الوطني الفلسطيني -الحكواتي- مسرحنا في قدسنا ، وهل هناك ما هو أجمل من الأدب والفن؟
كل عام والندوة تجمعنا، كل عام وأدباؤنا بخير وعطاء.
كلمات لا تكفِ، وإبداع يستمر ويتجدد بإذن الله في ندوتنا ندوة اليوم السابع
يا أهل اللغة عذرا فاللغة هنا لم تسعفني للتعبير عن أهل اللغة.
وكتب نمر القدومي:
رسالةٌ من أطرافِ الوادي
أَحِنُّ إلى مَنْ غافلتني سنين عديدة وأنا أبحث عنها، تراها هناك في كلّ مكان، نجمة بعيدة، لم أستطع التعرف عليها. كنتُ أخشى أن أكون تائها في أرضٍ\، هي في خارطة الزمان والمكان.. بالتأكيد موجودة، لكنني لا أفقه الوصول إليها.كنت دوما أجلس أطراف الوادي، أتأمل جمالا خاصا، وإذ بالطيور ترسم بأجنحتها كلمات في السّماء، شوّقت الفضول لديّ، فتعقبتُها؛ تارة على أشجارِ الصنوبر، وتارة أخرى على أشجار اللوز. تغاريد لها موسيقى وأمل وشجون، تجذب القلوب إلى سفحها وعاليها. هي صورة تجلَّتْ فيها كل ريشات الفنانين في رصد حدودها وجمالها وإيقاعها. وتجلَّت ترانيم ساحرة أبت إلاّ أن تُجذّر مسارها قوة من السّماء داعمة لها.
أحسست بشيء في داخلي يُداعبني، ومنذ بداية سنين عمري. وأحسست بجزء من الرُوح غائبة عنّي. قد ألوذ إلى ما خلف الطبيعة، وإلى ما خلف الكون، علَّني أجِد منابع المعجزة، مواطن الإنسانية وأصول المحاكاة والتكامل الفلسفي.
هي “اللغة” يا سادة، معقل الحبّ والعطاء، سكن المشاعر والأحلام، وهي التي تُنادي بها على كلّ من تَعلّق بهم قلبك في ذلك الوادي.
لقد وجَدتُ ما وجدته من خلف سبع سماوات، وتعرّفتُ على لغة الكون يُحاكي الإله بها العبادي. لغة من الجمال تُزيّن المقامات والأفواه. لغة فيها من الحروف ما تجمع به ملايين الكلمات؛ تُسعدنا، تُطمئننا، ترفعنا وترتقي بنا إلى الأعالي. ومنها ما يهبط بنا ويُعذّبنا ونلقى كل معاني المآسي.
لا تجعلوا اللغة العربية تلفظنا من قاموسها، بل نجعل قاموسها في قلوبنا.
للنّحلِ بيوت يعود إليها، يُفرغ ما طاب من العسل من بطونها عند ملكته. كما للغةِ بيوت ومقرّات وأصرحة نعانق فيها بعضنا بمفردات تَُلّ على المكان بعطرها، ترنو وتجول في العقل والقلب من شدّة عبيرها. هو القدر، ليس إلاّ، جذبني إلى حيث الجزء الغائب من روحي .. فوجدتها!
مسرح عريق مُششبّع بالثقافة، فرع من فروع تلك الشجرة الضخمة، تفيض على من يتفيأ بِظلّها، تحبس الجسد وتطلق العنان للملكات الدفينة.
المسرح الوطني الفلسطينيّ الحكواتي وندوة اليوم السابع، هُا نحن نعيش حياة غير حياتنا، نبحث عن إنارة روحنا، نبحث عن ذهن متنوّر كالشمعة، تنقل نورها لأيِّ شمعة أخرى، ولا ينقص رغم ذلك نورها.
ثلاثون عاما من عمرها، وقد جمعت ثلَّة كبيرة وعظيمة من الأدباء والكتّاب والمفكرين الفلسطينين، وغيرهم من أصدقاء الكتاب والرّواد والموهوبين، جمعتهم عى مرّ السنين تحت سقف واحد وعلى خشبة واحدة، يتبادلون كنز الكلام والمعرفة وجميل اللغة العربية والفكر السليم الإيجابي.
نكاد الآن نلمس مكانهم الدافئ بيننا، إنه صرح عريق، قصر فاره أو حديقة ورود زاهية تلفح قلوبنا بالتفافِ المحبين للأدب فيما بينهم. إنهم قناديل من ذهب ينيرون ظلمة الجهل، ويمدّون الطريق بأمان الرؤية لمستقبل عريق متوّجا بعطِ اللغة العربية الأصيلة.
كل عام وندوتنا بألف خير وسلام.
وكتبت هدى عثمان أبو غوش:
في هذا المساء
همس في أُذني آذار
قال لي يا ابنةَ القدسِ لا تحزني
هذه ليلتك وهذا فستانك الأبجديّ
فتعالي كي نحتفل بعيدك ونضيء ثلاثين شمعة
قبل الغروب، نبوح للمدينة بأسرارنا
نقول لها إنّا هنا
في حديقة الأوراق والكتب وما مللنا
أنّا هنا ننقش الحروف
وننبش ما بين السّطور وما تعبنا
نقول لها إنّنا كنّا شاهدين على هبوب العاصفة
وعلى بكاء الورود وأمطار الوطن
وأنّا نشتاق لصوت الغائبين الحاضرين
بأنفاس كلماتهم
يا ابنة القدس ،صوتك جميل فلا تخجلي
حين تنادين، لغتي هويتي
وامسحي دموعك وتذكري
بالأمل والحبّ من مرّوا في حضرة الكتاب هنا.
وكتبت عطاف الجولاني:
في جلسة دائرية، يجلس العديد من القراء العطشى للمزيد، للمزيد من الإبداع، الفن، والثقافة، يناقشون رواية أو ديوان شعر، أو قضية معينة، ويغوصون في أعماقها، ينقبون عن الكنوز داخلها، نعم… إنها ندوة اليوم السابع المميزة، والتي تعرفت عليها حديثا، رغم أنها تكبرني بستة أعوام.
من الصدف الجميلة أن يوم ذكراها السنوية لانطلاقتها للحياة، هو يوم وجودي بالحياة أصلا، شكرا لمؤسسيها الكرام، نتشوق للمزيد من الغوص داخل أعماق الأدب، ولتكن دوما بابا لمحيط اللغة الكبير والرائع.
وكتبت بدرية الرجبي:
ها هي اليوم السابع تضيف شمعة أخرى لأخواتها. أطفأت تسعا وعشرين شمعة وها هي تضيء الشمعة الثلاثين، احتفلت ندوتنا بعيدها الثلاثين من عطاء ودعم لجميع الفئات العمرية، لم أشهد أنا ولادة ندوتنا، ولكنها هي شهدت ولادة كلماتي عند مناقشة كتاب الخواطر، كنت قد شاركت به واستقبلتني بين أحضانها، وعادت باحتضاني مرة أخرى بعد عام عند مناقشة روايتي الأولى “وجه آخر”، وإني على يقين أنّي سأجد يديها تحتضني مرة ومرّات أخرى، هنا بين روّادها الكرام أجد نفسي، أقف عاجزة عن شكري وامتناني على كل الدعم الذي قدموه لي.
وكتب جمعة سعيد السمان:
ندوة اليوم السابع(30)
ولما كانت ندوة اليوم السابع قد شذّت عن قوانين الطبيعة.. حيث أنه كلما طال عمر السنين ثقلت الحركة، وقلّ النشاط، وكسلت الأعضاء، وتبلّد الذهن، وقلّ الحماس، وبعُدت الأهداف، إلّا ندوة اليوم السابع، فكلما طال العمر زاد النشاط، واتقدت الأفكار، وزاد الحماس، واتسع الحضن الدافئ للرواد، والصدر الواسع للأحباب، فما خاصمت قلما أخطأ، ولا رأيا أصاب أو أبعد. بل كانت المرشد والدليل للأدب والثقافة الفلسطينية الأفضل.
دمت ندوة اليوم السابع تُجددين عمر السنين.. والزمن يكبر بك ويفخر. وأدب وثقافة مدينة القدس بك تكبر ويتطور.
وكتبت سوسن عابدين الحشيم:
كل عام وندوتنا المقدسية بألف خير، كل عام وندوتنا تشعل نورها كل خميس، كل عام وندوتنا منارة يهتدي إليها الموهوبون من الكتاب والقراء والمثقفين، كل عام وندوتنا تضيء شمعة تنير ظلام القدس، كل عام وروادها ينعمون بالصحة والسعادة، كل عام وآذار فيها يبدع ويتميز، لم ننس أطول سلسلة قراءة حول سور القدس العظيم في شهر ميلادها، نعم إنه عظيم بصموده أمام الغزاة، وعظيم بكل أسير وشهيد على أبوابه، وعظيم بشموخه وحجارته التي شهدت أكثر محاولات اقتحام على مدى العقود والقرون، وكفاه عظمة أنه يحيط بأكثر الأماكن الدينية قداسة، المسجد الاقصى وكنيسة القيامة. يمضي عام ويمر عام وندوتنا صامدة شامخة بمجهود روادها وحضورهم الدائم متحدين الحواجز اللعينة وقهر العداة، ثلاثون عاما متواصلة يجتمعون، يتناقشون، يتحاورون، ينتقدون بكل حب وصفاء، كتب تجمعنا في قدسنا الحبيبة، تزيح ستار الصمت وتذرف الدموع حزنا وألما لما تعانيه من قسوة الوحدة والفراغ بعد مغيب شمس كل يوم، دموع كثيرة تترقرق في عيون المدينة الفاضلة؛ دمعة من أمّ تفقد ابنها بعد أن روى بدمائه تراب الأرض الطاهرة، ودمعة أخرى من أب يفقد طفله يموت خنقا وحرقا، ودمعة ثالثة تذرف على بيت يهدم ظلما وعدوانا، ودمعة رابعة تذرف على أشجار تقتلع من جذورها، ودمعة حائرة على بيوت تباع لمغتصب لها، ودمعة تذرف على سلاسل حجرية تلتف حول عنق المدينة، وتخنقها فتمنع محبيها من زيارتها، ودمعة تنزف دما على استباحة مسرى الرسول الكريم وتدنيسه بخطى رعاع حمقى، وآخر دمعة كانت على لعبة شطرنج خاسرة، ما زالت عيون القدس باكية تنتظر من يمسح دموعها ويفك قيدها ويعيد لها مجدها وكرامتها، هنيئا لمؤسسيها الأدباء الكبار جميل السلحوت، وديمة السمان، وابراهيم جوهر ونبيل الجولاني، وربحي الشويكي على تأسيس ندوة ثقافية إبداعية تنعش المدينة البائسة وتؤنس وحدتها، يزورها كل محب لها وللثقافة والمعرفة، يمشي في طرقاتها، فيستشعر روحانيتها ويمضي منتعشا بعطرها الفواح وهوائها النقي؛ ليعود مرة أخرى يحمل كتابا آخر.
وكتبت قمر منى:
تجمعنا اللغة العربية، ونلتقي إحياء لثقافةٍ شرقية أصيلة، وها هم بدأوا المشوار، ونحن على العهد باقون لها، بكلّ إصرار وفخر وحبّ نواصل مسيرتنا الأدبية؛ لنرتقي بها، فضياءُ شموعها أنارت عتمة طريقنا إليها.
ما أجمل التآلف بيننا! فالآراء تندمج وتعيش الصداقة ها هنا، لا شيء سيوقفنا
لا شيء سيوقفنا.
من هنا من بيت المقدس سنزهر للأدب روّادا يحملون رسالة لا مثيل لها.
أتساءل في ذكرى ميلاد ندوتنا: ماذا سنقدم لها؟ يا ترى أهناك أثمن من حروفنا المكتوبة لها؟ ارفعوا أصواتكم بالدعاء لها، انثروا ورود الأدب على طاولتها، بعثروا قصائدكم وخواطركم في أكناف المسرح الوطني الفلسطيني،
وليشهد التاريخ ما أحييتم لها.
وكتبت قمر عبدالرحمن:
ندّوة في السّابع وسابع في النّدوة
ياروّاد القدسِ سرّ النّجاح في الاستمرار رغم الفتور وقلّة الصّحوة، فالإستمرار يخلق للعمل معنى، حتّى لو اعتقد البعض أنّ هذا الجهد بلا جدوى
فالكثير الكثير يجدكم قدّوة وألف قدوة.
ندّوة في السّابع، وسابع في النّدوة، يا روّاد القدسِ سرّ النّجاح
في مداراةِ الحرفِ والإيمان بالكلمة، وفي قناديل تضيء عتَبات القدسِ وزقاقها، فأنتم مَن تساندزن زهرَ اللّوز في بهائه، وترسمون الخلود من تعاريج بلاط بيت المقدس، وتستمدّونَ ضياءكم من ضيائه، ثلاثون دمعة وشمعة …ألا تعلمون أنّ عمر الثلاثين (هو عمرُ الصّفوة)؟
ندّوة في السّابع، وسابع في الندّوة
ياروّاد القدسِ سرّ النّجاحِ إنّكم منها …في زمن الخيانة والسطّوة، ثابتونَ كحجرِ القدس الّذي لا يمكن تزويره، وتَغمرون بالحروفِ حُفَر الجّهل؛ لحصر الفجوة.
ندوة في السّابع، وسابع في الندّوة.
ياروّاد القدسِ سرّ النّجاح -في البكاء-أتبكونَ على صفحاتِ العمر، أم على ثقل تجديدِ الصّحوة؟
نعم ..نعم ..سنبكي ،لأنّ البكاءَ يطفىء شمعة القسوة، وسنستعدّ لعمر جديد من الندّوة.
صباح الخميس سيَبدأ بفكرة من صهيلِ القَهوة .
وكتبت نزهة الرملاوي:
للنّدوة التي تحتفي بروّادها ويحتفون هم بميلادها ألف تحيّة.
رسائل الوفاء أُهديها إليك وباقات ورد، بشائر القداسة في عينيك وتراتيل عهد، مباسم الرّبيع في خديك وأقحوانة مجد.
أيّ صديقي: تدعوني لأذرف معك دمعة، وأنا التي وهبتني المدينة عيونها لأكفكف الدّمعات، وتناديني لأرسم معك بسمة، وأنا التي تخطّت أسوار حزنها وتعالت فوق الآهات، وتقصدني لأشعل معك شمعة، وأنا قنديل سهر أرجحته القناطر لأسرد حكاية لا تشبهها الحكايات. قُم يا صديقي نلّون وجه المدينة، نخضّب أكفّها بحنّاء من أقحوان وشقائق ورديّة، نطوّقها بقلائد الدّحنون وأزهار لوزيّة، نكتبها من وحي القلب ونطلقه في أريج الأمسيات، لأجل أن يزهر الحبّ وتبقى الأميرة وترحل الخيبات.
أجبني يا صديقي، هل بكت أميرتنا رحيل الأحبّة وقد مضى ثلاثون شتاء وثلاثون صيفا على الغياب؟ أم فرشت الفرح في مباسم الفجر وتحضّرت لاستقبال العائدين؟ ثلاثون شتاءً وثلاثون صيفا يتجاذبون الرّبيع ويبتهجون لميلاد النّدوة، ملكة تربّعت في عرش الثقافة، تبادل سُمّارها أدوار التألق والعطاء، بكوا كنايات متألّمة، وفرحوا كميلاد الصّدف في دفاتر الحياة، افترشوا ورد أبجديّاتهم الثّائرة، كتبوا أحلامهم وتوصياتهم لأجيال ولدت لتقاوم، هناك في فضاء اللجوء الأليم، تجمّعت أسراب الرّاحلين، هُجّروا، رافقتهم غصّة الفراق، وفيض من شوق حميم، حملوا مفاتيح الأمل، ومضوا في غياهب الغربة يبكون، هرولت إليهم سنيّ اللؤم والبؤس، وعذاب لا ينتهي، شاخت قلوبهم وجعا، وباتت على وجوههم تجاعيد الانتظار، باتوا بغضب من نسيان، وتسويات مهزومة.
من زنازين العزل والعتمة خرجت الكلمات، كتب أحرارها قصائد العزم وأمنيات الحريّة، أقسموا أن يدخلوا المدينة منتصرين، طرقوا أبواب عزّها، أناروا في أقصاها قناديل نّصر وآيات بقاء، وفي كنائسها أضاؤوا ثلاثين شمعة وتراتيل رجاء.
وكتبت دولت الجنيدي:
ثلاثون شمعة لثلاثين سنة أنارت الدرب، ومهدت الطّريق وتخطّت الصّعاب؛ لتصل ندوة أليوم السابع المقدسية إلى ما وصلت إليه؛ لتصبح منارة للثّقافة والأدب، وموردا للمثقفين من هذا الجيل ومن جميع الأعمار.
تأسّست النّدوة بسواعد العظماء، ديمة السّمان جميل السلحوت إبراهيم جوهر نبيل الجولاني وربحي الشويكي.
مرّت الندوة بمنعطفات صعبة، ورغم ذلك استمرّت وازدهرت برعاية وتوجيه وصبر ومثابرة أدبائنا الكبار ديمة السّمّان، جميل السّلحوت وإبراهيم جوهر؛ ومواظبة روّاد النّدوة على الحضور أسبوعيّا، حيث يحرص الجميع على احتضان وتوجيه ورعاية الكتّاب الجدد، ومناقشة انتاجهم الأدبي، والأخذ بأيديهم حتى ينطلقوا؛ ليسيروا في ركب الكتّاب والأدباء الكبار .
شكرا لمؤسّسي النّدوة ، وشكرا للقائمين عليها، وشكرا لروّادها، وكل عام والجميع بألف خير .