صدرت رواية “الخاصرة الرّخوة” للأديب المقدسي جميل السلحوت أواخر العام 2019 عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع الرّواية في 260 صفحة من الحجم المتوسّط.
الكاتب يستمر في محاربة الجهل ، وكأنه أخذ على عاتقه خوض هذه الحرب، التي من شأنها أن تُغير المجتمع ، وتساعد في رُقيه وتقدمة.
كانت البداية منذ رواياته الأولى في سداسيّته “درب الآلام الفلسطيني ” ظلام النهار، جنة الجحيم، هوان النعيم، برد الصيف، العسف ورولا” والتي أظهرت العادات والتقاليد البالية ، وبعد ذلك في روايتيه “زمن وضحة” و “رواية عذارى في وجه العاصفة” حيث قدم الكاتب جميل السلحوت معاناة المرأة في مجتمع قاصر النظر جاهل الفكر، رغم ما تواجهه المرأة من آثار الحرب ، أمّا أبرز مؤلفاته التي حاربت الجهل فهي” ثقافة الهبل وتقديس الجهل” الذي شمل صور الجهل المنتشرة في المجتمع في شتى المجالات، وأشكاله صور تصادفنا يوميا، وفي ” الخاصرة الرخوة” يظهر مواقف التطرف الديني، الذي يعود بالويلات على الزوجة، على عكس ما نادى إليه ديننا العظيم، بإعطائها حقوقها في اختيار الزوج والتعليم وحرية الرأي، و احترام الزوج لها، وقد كان آخر ما اوصى به الرسول صلى الله عليه و سلم وهو على فراش الموت: “أوصيكم بالنساء خيرا”، وكذلك نهى ديننا عن البخل.
الرواية صرخة ضد تهميش المرأة، والعقلية الذكورية، وادّعاء التديّن ، فتح الكاتب الأبواب الموصدة وطرح العلاقات والتداخل والإشكاليات التي لم تجد طريقها للحسم في واقعنا.
أظهرت الرواية ثلاث إشكاليات، حرية المرأة في تحديد مصيرها، من حيث تعليمها ، اختيار شريك حياتها، بناء بيتها، ومشاركة الزوج، وتعامل زوجها معها ككيان لها رغباتها وهواياتها ونظرتها للأمور، لا طاعته طاعة عمياء.
الإشكالية الثانية ” التديّن” الذي لا يعبر عن روح الإسلام، كبطل الرواية ” اسامة” حيث كان يتعامل مع زوجته ” جمانة” من خلال خطاب تهجمي يبتعد عن روح الشريعة التي بعث بها صلى الله عليه وسلم.
الإشكالية الثالثة” عفة المرأة وشرفها ” تتزوج صابرين وتنجب بعد ستة أشهر من زواجها، ومن جهة أخرى تتطلق عائشة ابنة الخمسة عشر ربيعا، بعد أن تعيش مع زوجها ثلاثة أشهر الذي طعن بشرفها، وبعد سنوات ومن زواجها الثاني أثناء مخاضها يكشف الطبيب لأهلها وزوجها عذريتها، جهل علمي يضاف للجهل الديني والإنساني والأخلاقي.
تطرح الرواية سؤال: هل العفة والخيانة والدين تُحدد حسب سلوك الإنسان على التحكم بإظهار ما يريد أن يراه المجتمع فقط؟
بالنهاية تطلق صابرين الفتاة التي مارست علاقة غير شرعية قبل الزواج، ومع ذلك فإنّ والدة أسامة تقترحها زوجة لأبنها أسامة المتطرف بتديّنه، هذه النهاية طعنة في الخاصرة الرخوة لمجتمع مزيف بمعتقداته وبتدينه وبشرفه .
ومن الناحية العاطفية ، لم تُحب ” جمانة ” أسامة منذ اللحظة الأولى، الحب لا يأتي بعد الزواج، هناك قبول بالآخر تعايش عِشرة ، لكن إن لم يطرق الحب القلب عند أول نظرة فلن يأتي أبدا، لم تتبع ” جمانة ” عواطفها، مع أنها متعلمة وابنة رجل عصامي يجتهد من أجل بناته الخمسة، أفنى حياته كلها في تربيتهن والحرص على تعليمهن.
لم تدق “جمانة” الجدار، وانجرفت نحو التيار، ولم ترَ شواهد تشجعها على الاستمرار، لكنها استمرت، الآف الفتيات كجمانة يلاحقهنَ شبح العنوسة ، وبحجة العريس المناسب ماديَا، وتحت ذريعة النصيب تكمل حياتها، وعندما تختنق تماما ترفع الراية البيضاء، وقد جرفت لنصيبها نصيب ابن لا يملك عائلة متكاملة، ولا يعيش بكنف والدية.
جمانة وعائشة وصابرين، ثلاث مطلقات مع ثلاثة أبناء ، الحياة غير السوية منذ أول ليلة، تبنى عليها حيوات، والجهل يتغذى على ثقافة المجتمع، ينمو ويكبر وينجب أجيال، أعود للنهاية مرة آخري، الكاتب جعل تلك النهاية الساخرة ،عقابا لاستمرار الجهل .
تُظهر الرواية حاجة المجتمع بأن يمسك العصا من الوسط، فالتطرف في النظرة للأمور: الدينية والأخلاقية وبنية المجتمع هو الجهل بعينه.
28-12-2019