جميل السلحوت
عن مكتبة كل شيء في حيفا صدر مؤخرا” معجم ألفاظ بادية القدس، للباحث محمد موسى العويسات، ويقع المعجم في ٣٤٤ صفحة من الحجم الكبير، وقد صمّم المعجم المجلّد ذي الغلاف المقوّى وأخرجه شربل الياس.
الكاتب: محمد موسى العويسات من مواليد حيّ الشّيخ سعد في جبل المكبر عام ١٩٦٥، تلقى تعليمه الابتدائيّ والإعداديّ في مدارس جبل المكبر، والمرحلة الثّانويّة في مدرسة الرشيديّة في القدس، حاصل على شهادة البكالوريس في في اللغة العربيّة في جامعة بيت لحم، ودرجة الماجستير في الأدب العربيّ في جامعة القدس ( أبو ديس)، عمل معلّما في مدارس تربية القدس ( دار الأيتام سابقا) ما يقارب خمسة وعشرين عاما، كاتب وباحث لغويّ له عدد من المؤلفات منها: أسرار التكرار في سورة البقرة ( بيان القرآن)، وكتاب في مواجهة تهويد المكان وعبرنة اللغة، وكتاب الأمثال في خماسيّة مدن الملح لعبد الرحمن منيف، ولطائف في الصّرف والنّحو والبيان، وآخرها معجم ألفاظ بادية القدس، وله عدد من الكتب المخطوطة
التي لم تنشر بعد، وله مشاركات أدبيّة ونقديّة في صحف محلّيّة وعربيّة.
بادية القدس: تشمل بادية القدس براري عرب السّواحرة الّتي تمتد شرقا من نهاية السّواحرة الشّرقيّة حتّى البحر الميّت، ومقام النّبي موسى ونهر الأردنّ، وتحدّها من الجنوب العبيديّة وبراريها و”بقيعتها”، كما تشمل براري بلدات: سلوان، وأبوديس والعيزريّة والعيسويّة وحزما. لكنّ حياة البادية أكثر ما تتمثّل ببراري عرب السّواحرة، كونهم ينحدرون من أصول بدويّة، وبدأوا يتحضّرون في عشرينات القرن العشرين، وذلك لأسباب عديدة منها قربهم من مدينة القدس، الّتي بناها اليبوسيّون الكنعانيّون العرب قبل ستّة آلاف عاما، وتشكّل نموذجا لحياة التّمدّن في المشرق العربيّ.
وبراري عرب السّواحرة يسكنها عدد من مربّي المواشي من أبناء السّواحرة، والعديد من عشائر الجهالين والكعابنة الّذين شرّدوا من ديارهم في النّقب، في حرب العام ١٩٤٨، وجزء منهم تمّ طرده من دياره في العام ١٩٥١.
وكاتبنا الأستاذ العويسات واحد من أبرز المهتمّين باللغة العربيّة، وفي كتاباته يظهر بوضوح تغنّيه بجماليّات هذه اللغة، وحثّه الدؤوب على ضرورة الحفاظ عليها وتعلّمها، ولا غرابة في ذلك فهي لغة كتاب الله” القرآن الكريم”.
ومن هنا فقد اهتمّ كاتبنا بألفاظ ولهجات أهالي بادية القدس، والعودة إلى أصولها الفصيحة، ومعروف أنّ” اللهجة استعمال خاطئ للّغة” ويجدر التّنويه هنا أنّ اللغة العربيّة الفصحى السّائدة هي:” لهجة قريش” لنزول القرآن بها” فطغت على اللهجات الأخرى. وقد ظهرت لهجات أخرى بسبب الفتوحات الإسلاميّة واعتناق ملايين البشر الدّين الإسلاميّ، وعندما تعلّم العجم العربيّة لم يتقنوها، فظهرت لهجات محكيّة جرّاء ذلك. ويلاحظ أنّ لهجات أبناء البوادي هي الأقرب إلى اللغة الفصحى، لعدم مخالطتهم أو بالأحرى لقلّة مخالطتهم لأبناء المناطق الحضريّة.
ويلاحظ أنّ كاتبنا محمّد موسى العويسات قد انتبه لألفاظ أبناء بادية القدس؛ لأنّها جزء من بلدته، ولأنّه خالطهم عن قرب في جزء من حياته، فالمرحومان أبوه وجدّه لأبيه كانوا من مربّي المواشي، وعاشوا في هذه البادية، وعاش هو معهم وفي كنفهم في بدايات حياته. وقد اقتصرت دراسته البحثيّة المعجميّة على ألفاظ من عاشوا، ولا يزال البعض منهم يعيش في البادية، ولم يتطرّق إلى اللهجات الأخرى لأنّها كثيرة، ومتابعتها ودراستها تحتاج إلى موسّسات وباحثين. وهذا ما لا يستطيعه شخص بعينه.
وهذا المعجم الموسوعيّ الّذي نحن بصدده هو جهد مشكور للباحث محمد العويسات. وهو عمل غير مسبوق ومن هنا تنبع أهمّيته كمرجع للباحثين وللدّارسين.
وكاتبنا محمّد العويسات من المهتمّين بالموروث الشّعبي ومن الحريصين على تدوينه لأنّه يؤرخ بشكل وآخر لمرحلة عاشها جزء من شعبنا وأمّتنا.
وحسب معلوماتي المتواضعة فإنّه سيصدر قريبا لكاتبنا دراسة مطوّلة عن حياة رعاة الماشية بكلّ تفاصيلها والعادات الّتي كانت سائدة.
والقارئ لهذا المعجم الّذي يشكّل كنزا لغويّا سيلاحظ أنّ الكاتب قد تتبّع ألفاظا تكلّمها أكثر من جيل، ،وبعضها اندثر وبعضها استجدّ مع تطوّر الحياة.
يبقى أن نقول أنّ هذا المعجم جهد مشكور، ويشكّل مرجعا ومصدرا موثوقا للّغويّين والدّارسين والباحثين.
٢٤-١٢-٢٠٢٥










